الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } * { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } * { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ }

قوله تعالى: { ذَاتِ الْحُبُكِ } فيه للعلماء أقوال متقاربة لا يكذب بعضها بعضاً، فذهب بعض أهل العلم، إلى أن الحبك جمع حبيكة أو حباك، وعليه فالمعنى ذات الحبك أي ذات الطرائق، فما يبدو على سطح الماء الساكن أو الرمل من الطرائق إذا ضربته الريح هو الحبك، وهو جمع حبيكة أو حباك، قالوا: ولبعد السماء لا ترى طرائقها المعبر عنها بالحبك، ومن هذا المعنى قول زهير:
مكلل بأصول النجم تنسجه   ريح خريق بضاحي مائة حبك
وقول الراجز:
كأنما جللها الحواك   طنفسة في وشيها حباك
وممن نقل عنه هذا القول الكلبي والضحاك.

وقال بعض أهل العلم: ذات الحبك أي ذات الخلق الحسن المحكم، وممن قال به ابن عباس وعكرمة وقتادة.

وهذا الوجه يدل عليه قوله تعالى:ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتِ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ } [الملك: 3-4] إلى غير ذلك من الآيات.

وعلى هذا القول فالحبك مصدر، لأن كل عمل أتقنه عامله وأحسن صنعه، تقول فيه العرب: حبكه حبكاً بالفتح على القياس. والحبك بضمتين بمعناه.

وقال بعض العلماء: ذات الحبك: أي الزينة.

وممن روي عنه هذا سعيد بن جبير والحسن، وعلى هذا القول، فالآية كقوله:وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ } [الملك: 5]، وقد قدمنا الآيات الموضحة لذلك في ق في الكلام على قولهأَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا } [ق: 6] الآية.

وقال بعض العلماء: ذات الحبك أي ذات الشدة، وهذا القول يدل له قوله تعالى:وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً } [النبأ: 12].

والعرب تسمى شدة الخلق حبكاً، ومنه قيل للفرس الشديد الخلق: محبوك.

ومنه قول امرئ القيس.
قد غدا يحملني في أنفه   لاحق الأطلين محبوك ممر
والآية تشمل الجميع، فكل الأقوال حق والمقسم عليه في هذه الآية هو قوله تعالى { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } [الذاريات: 8] أي إنكم أيها الكفار لفي قول مختلف في شأن النبي صلى الله عليه وسلم وشأن القرآن، لأن بعضهم يقول: هو شعر، وبعضهم يقول: سحر، وبعضهم يقول: كهانة، وبعضهم يقول: أساطير الأولين، وقول من قال في قول مختلف أي لأن بعضهم مصدق، وبعضهم مكذب خلاف التحقيق.

ويدل على أن الاختلاف إنما هو بين المكذبين دون المصدقين. قوله تعالى في قبَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَهُمْ فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ } [ق: 5] أي مختلط. وقال بعضهم: مختلف، والمعنى واحد.

وقوله تعالى: { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } [الذاريات: 9] أظهر الأقوال فيه عندي ولا ينبغي العدول عنه في نظري، أن لفظة عن في الآية سببية كقوله تعالى:وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِيۤ آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ } [هود: 53] أي بسبب قولك، ومن أجله، والضمير المجرور بعن راجع إلى القول المختلف، والمعنى يؤفك أي يصرف عن الإيمان بالله ورسوله عنه، أي عن ذلك القول المختلف أي بسببه من أفك أي من سبقت له الشقاوة في الأزل، فحرم الهدى وأفك عنه، لأن هذا القول المختلف يكذب بعضه بعضاً ويناقضه.

السابقالتالي
2