الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قوله تعالى { وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ }. في قوله { وَأَرْجُلَكُمْ } ثلاث قراآت واحدة شاذة، واثنتان متواترتان. أما الشاذة فقراءة الرفع، وهي قراءة الحسن. وأما المتواترتان فقراءة النصب، وقراءة الخفض. أما النصب فهو قراءة نافع. وابن عامر، والكسائي، وعاصم في رواية حفص من السبعة، ويعقوب من الثلاثة. وأما الجر فهو قراءة ابن كثير، وحمزة، وأبي عمرو، وعاصم، في رواية أبي بكر. أما قراءة النصب فلا إشكال فيها لأن الأرجل فيها معطوفة على الوجوه، وتقرير المعنى عليها فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق، وأرجلكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم. وإنما أدخل مسح الرأس بين المغسولات محافظة على الترتيب، لأن الرأس يمسح بين المغسولات، ومن هنا أخذ جماعة من العلماء وجوب الترتيب في أعضاء الوضوء حسبما في الآية الكريمة. وأما على قراءة الجر ففي الآية الكريمة إجمال، وهو أنها يفهم منها الاكتفاء بمسح الرجلين في الوضوء عن الغسل كالرأس، وهو خلاف الواقع للأحاديث الصحيحة الصريحة في وجوب غسل الرجلين في الوضوء والتوعد بالنار لمن ترك ذلك، كقوله صلى الله عليه وسلم " ويل للأعقاب من النار ". اعلم أولاً أن القراءتين إذا ظهر تعارضهما في آية واحدة لهما حكم الآيتين، كما هو معروف عند العلماء، وإذا علمت ذلك فاعلم أن قراءة { وأرْجُلكُمْ } بالنصب صريح في وجوب غسل الرجلين في الوضوء، فهي تفهم أن قراءة الخفض إنما هي لمجاورة المخفوض مع أنها في الأصل منصوبة بدليل قراءة النصب، والعرب تخفض الكلمة لمجاورتها للمخفوض، مع أن إعرابها النصب، أو الرفع. وما ذكره بعضهم من أن الخفض بالمجاورة معدود من اللحن الذي يتحمل لضرورة الشعر خاصة، وأنه غير مسموع في العطف، وأنه لم يجز إلا عند أمن اللبس، فهو مردود بأن أئمة اللغة العربية صرحوا بجوازه. وممن صرح به الأخفش، وأبو البقاء، وغير واحد. ولم ينكره إلا الزجاج، وإنكاره له - مع ثبوته في كلام العرب، وفي القرآن العظيم - يدل على أنه لم يتتبع المسألة تتبعاً كافياً. والتحقيق أن الخفض بالمجاورة أسلوب من أساليب اللغة العربية، وأنه جاء في القرآن لأنه بلسان عربي مبين. فمنه في النعت قول امرئ القيس
كأن ثبيرا في عرانين ودقه كبير أناس في بجاد مزمل   
بخفض " مزمل " بالمجاورة، مع أنه نعت " كبير " المرفوع بأنه خبر " كأن " وقول ذي الرمة
تريك سنة وجه غير مقرفة ملساء ليس بها خال ولا ندب   
إذ الرواية بخفض " غير " ، كما قاله غير واحد للمجاورة، مع أنه نعت " سنة " المنصوب بالمفعولية. ومنه في العطف قول النابغة
لم يبق إلا أسير غير منفلت وموثق في حبال القد مجنوب   

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد