الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }

قوله تعالى { وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ ٱلإِنْجِيلِ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فِيه }. لم يبين هنا شيئاً مما أنزل في الإنجيل الذي أمر أهل الإنجيل بالحكم به، وبين في مواضع أخر أن من ذلك البشارة بمبعث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ووجوب اتباعه. والإيمان به كقولهوَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَدُ } الصف 6، وقوله تعالىٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيل } الأعراف 157 الآية، إلى غير ذلك من الآيات. لطيفة لها مناسبة بهذه الآية الكريمة ذكر بعض العلماء أن نصرانياً قال لعالم من علماء المسلمين ناظرني في الإسلام والمسيحية أيهما أفضل؟ فقال العالم للنصراني هلم إلى المناظرة في ذلك، فقال النصراني المتفق عليه أحق بالاتباع أم المختلف فيه؟ فقال العالم المتفق عليه أحق بالاتباع من المختلف فيه. فقال النصراني إذن يلزمكم اتباع عيسى معنا، وترك اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، لأننا نحن وأنتم نتفق على نبوة عيسى، ونخالفكم في نبوة محمد عليهما الصلاة والسلام، فقال المسلم أنتم الذين تمتنعون من اتباع المتفق عليه، لأن المتفق عليه الذي هو عيسى قال لكموَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي ٱسْمُهُ أَحْمَد } الصف 6، فلو كنتم متبعين عيسى حقاً لاتبعتم محمداً صلى الله عليه وسلم، فظهر أنكم أنتم الذين لم تتبعوا المتفق عليه ولا غيره، فانقطع النصراني. ولا شك أن النصارى لو كانوا متبعين عيسى، لاتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم. قوله تعالى { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ }. قد قدمنا أن هذه الآية في النصارى، والتي قبلها في اليهود، والتي قبل تلك في المسلمين، كما يقتضيه ظاهر القرآن. وقد قدمنا أن الكفر، والظلم، والفسق كلها يطلق على المعصية بما دون الكفر، وعلى الكفر المخْرج من الملة نفسه. فمن الكفر بمعنى المعصية. قوله صلى الله عليه وسلم " لما سألته المرأة عن سبب كون النساء أكثر أهل النار، إن ذلك واقع بسبب كفرهن " ثم فسره بأنهن يكفرن العشير، ومن الكفر بمعنى المخرج عن الملة، قوله تعالىقُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } الكافرون 1-2 الآية. ومن الظلم بمعنى الكفر قوله تعالىوَٱلْكَافِرُونَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } البقرة 254، وقولهوَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ } يونس 106، وقولهإِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } لقمان 13، ومنه بمعنى المعصية قوله تعالىفَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } فاطر 32 الآية، ومن الفسق بمعنى الكفر قولهوَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا } السجدة 20 الآية، ومنه بمعنى المعصية قوله في الذين قذفوا عائشة، رضي الله عنها

السابقالتالي
2