الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قال الله تعالى { إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوۤاْ }. فأمر بإقامة الحدود على المحارب إذا جمع بين شيئين، وهما المحاربة، والسعي في الأرض بالفساد، ولم يخص شريفاً من وضيع، ولا رفيعاً من دنيء، اهـ من القرطبي. قال مقيده، عفا الله عنه ومما يدل على عدم اعتبار المكافأة في قتل الحرابة، إجماع العلماء على أن عفو ولي المقتول في الحرابة لغو لا أثر له، وعلى الحاكم قتل المحارب القاتل، فهو دليل على أنها ليست مسألة قصاص خالص، بل هناك تغليظ زائد من جهة المحاربة. المسألة الثالثة إذا حمل المحاربون على قافلة مثلاً، فقتل بعضهم بعض القافلة، وبعض المحاربين لم يباشر قتل أحد، فهل يقتل الجميع، أو لا يقتل إلا من باشر القتل، فيه خلاف، والتحقيق قتل الجميع، لأن المحاربة مبنية على حُصول المنعة والمعاضدة والمناصرة، فلا يتمكّن المباشر من فعله، إلا بقوة الآخر الذي هو ردء له ومعين على حرابته، ولو قتل بعضهم، وأخذ بعضهم المال جاز قتلهم كلهم، وصلبهم كلهم. لأنهم شركاء في كل ذلك، وخالف في هذا الشافعي رحمه الله فقال لا يجب الحد إلا على من ارتكب المعصية، ولا يتعلق بمن أعانه عليها كسائر الحدود، وإنما عليه التعزير. المسألة الرابعة إذا كان في المحاربين صبي، أو مجنون، أو أب المقطوع عليه، فهل يسقط الحد عن كلِّهم؟ ويصير القتل للأولياء إن شاؤوا قتلوا، وإن شاؤوا عفوا نظراً إلى أن حكم الجميع واحد، فالشبهة في فعل واحد شبهة في الجميع، وهو قول أبي حنيفة، أو لا يسقط الحد عن غير المذكور من صبي، أو مجنون، أو أب، وهو قول أكثر العلماء، وهو الظاهر. المسألة الخامسة إذا تاب المحاربون بعد القدرة عليهم، فتوبتهم حينئذ لا تغير شيئاً من إقامة الحدود المذكورة عليهم، وأما إن جاؤوا تائبين قبل القدرة عليهم، فليس للإمام عليهم حينئذ سبيل. لأنهم تسقط عنهم حدود الله، وتبقى عليهم حقوق الآدميين، فيقتص منهم في الأنفس والجراح، ويلزمهم غرم ما أتلفوه من الأموال، ولولي الدم حينئذ العفو إن شاء، ولصاحب المال إسقاطه عنهم. وهذا قول أكثر العلماء مع الإجماع على سقوط حدود الله عنهم بتوبتهم قبل القدرة عليهم، كما هو صريح قوله تعالى { إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ } المائدة 34 الآية، وإنما لزم أخذ ما بأيديهم من الأموال، وتضمينهم ما استهلكوا. لأن ذلك غصب، فلا يجوز لهم تملكه، وقال قوم من الصحابة والتابعين لا يطلب المحارب الذي جاء تائباً قبل القدرة عليه إلا بما وجد معه من المال، وأما ما استهلكه، فلا يطلب به، وذكر الطبري هذا عن مالك من رواية الوليد بن مسلم عنه.

السابقالتالي
2 3