الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

قوله تعالى { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ }. يعني إن شئتم، فلا يدل هذا الأمر على إيجاب الاصطياد عند الإحلال، ويدل له الاستقرار في القرآن، فإن كل شيء كان جائزاً، ثمَّ حرَّم لموجب، ثم أمر به بعد زوال ذلك الموجب، فإن ذلك الأمر كله في القرآن للجواز نحو قوله هنا { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ } وقولهفَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْض } الجمعة 10، وقولهفَٱلآنَ بَاشِرُوهُنّ } البقرة 187 الآية، وقولهفَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنّ } البقرة 222 الآية. ولا ينقض هذا بقوله تعالىفَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِين } التوبة 5 الآية، لأن قتلهم كان واجباً قبل تحريمه العارض بسبب الأشهر الأربعة سواء قلنا إنها أشهر الإمهال المذكورة في قولهفَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } التوبة 2، أو قلنا إنها الأشهر الحرم المذكورة في قوله تعالىمِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } التوبة 36. وبهذا تعلم أن التحقيق الذي دل عليه الاستقراء التام في القرآن أن الأمر بالشيء بعد تحريمه يدل على رجوعه إلى ما كان عليه قبل التحريم من إباحة أو وجوب، فالصيد قبل الإحرام كان جائزاً فمُنع للإحرام، ثم أُمر به بعد الإحلال بقوله { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ } فيرجع لما كان عليه قبل التحريم، وهو الجواز، وقتل المشركين كان واجباً قبل دخول الأشهر الحرم، فمنع من أجلها، ثم أمر به بعد انسلاخها في قوله { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ } الآية، فيرجع لما كان عليه قبل التحريم، وهو الوجوب. وهذا هو الحق في هذه المسألة الأصولية. قال ابن كثير في تفسير هذه الآية وهذا أمر بعد الحظر، والصحيح الذي يثبت على السبر أنه يرد الحكم إلى ما كان عليه قبل النهي، فإن كان واجباً رده، واجباً، وإن كان مستحباً فمستحب، أو مباحاً فمباح. ومن قال إنه للوجوب ينتقض عليه بآيات كثيرة. ومن قال إنه للإباحة يرد عليه بآيات أخرى، والذي ينتظم الأدلة كلها هذا الذي ذكرناه كما اختاره بعض علماء الأصول، والله أعلم، انتهى منه بلفظه. وفي هذه المسالة أقوال أخر عقدها في مراقي السعود بقوله
والأمر للوجوب بعد الحظل وبعد سؤل قد أتى للأصل أو يقتضي إباحة للأغلب إذا تعلق بمثل السبب إلا فذي المذهب والكثير له إلى إيجابه مصير   
وقد تقرر في الأصول أن الاستقراء التام حجة بلا خلاف، وغير التام المعروف. " بإلحاق الفرد بالأغلب " حجة ظنية، كما عقده في مراقي السعود في كتاب الاستدلال بقوله
ومنه الاستقراء بالجزئي على ثبوت الحكم للكلى   
فإن يعم غير ذي الشقاق فهو حجة بالاتفاق
وهو في البعض إلى الظن انتسب يسمى لحقوق الفرد بالذي غلب   
فإذا عرفت ذلك، وعرفت أن الاستقراء الام في القرآن دل على ما اخترنا، واختاره ابن كثير، وهو قول الزركشي من أن الأمر بعد الحظر يدل على رجوع الحكم إلى ما كان عليه قبل التحريم، عرفت أن ذلك هو الحق، والعلم عند الله.

السابقالتالي
2 3