الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ }

سبب نزول هذه الآية الكريمة، أنه لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد تميم، أشار عليه أبو بكر رضي الله عنه أن يؤمر عليهم القعقاع بن معبد بن زرارة بن عدس، وأشار عليه عمر أن يؤمر عليه الأقرع بن حابس بن عقال.

فقال له أبو بكر: ما أردت إلا خلافي، فقال عم: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما فأنزل الله: { لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ } ذكره البخاري في صحيحه وغيره.

وهذه الآية الكريمة علَّم الله فيها المؤمنين أن يعظموا النبي صلى الله عليه وسلم ويحترموه، ويوقروه، فنهاهم عن رفع أصواتهم فوق صوته، وعن أن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض، أي ينادونه باسمه: يا محمد، يا أحمد، كما ينادي بعضهم بعضاً.

وإنما أمروا أن يخاطبوه خطاباً يليق بمقامه ليس كخطاب بعضهم لبعض، كأن يقولوا يا نبي الله أو يا رسول الله ونحو ذلك.

وقوله: { أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ } أي لا تفعلوا ذلك لئلا تحبط أعمالكم، أو ينهاكم عن ذلك كراهة أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون أي لا تعلمون بذلك.

وما تضمنته هذه الآية الكريمة من لزوم توقير النبي صلى الله عليه وسلم، وتعظميه واحترامه جاء مبيناً في مواضع أخر كقوله تعالى:لِّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } [الفتح: 9] على القول بأن الضمير في تعزروه وتوقروه للنبي صلى الله عليه وسلم وقوله تعالىلاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً } [النور: 63] كما تقدم وقوله تعالىفَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ } [الأعراف: 157] الآية. وقول هنا:وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ } [الحجرات: 2] أي لا تنادوه باسمه: كيا محمد.

وقد دلت آيات من كتاب الله على أن الله تعالى لا يخاطبه في كتابه باسمه، وإنما يخاطبه بما يدل على التعظيم والتوقير، كقوله:يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ } [الأنفال: 64-65-70].يَـۤأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ } [المائدة: 41-67].يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } [المزمل: 1].يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } [المدثر: 1] مع أنه ينادي غيره من الأنبياء بأسمائهم كقولهوَقُلْنَا يَاآدَمُ } [البقرة: 35]. وقوله:وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ } [الصافات: 104] وقوله:قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك } [هود: 46].

قيلقِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا } [هود: 48]. وقوله:قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ } [الأعراف: 144] وقوله:إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ } [آل عمران: 55] وقوله:يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً } [ص: 26].

أما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يذكر اسمه في القرآن في خطاب، وإنما يذكر في غير ذلك كقوله:وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ } [آل عمران: 144]. وقوله:وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ } [محمد: 2]. وقوله:مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ } [الفتح: 29].

وقد بين تعالى أن توقيره واحترامه صلى الله عليه وسلم بغض الصوت عنده لا يكون إلا من الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، أي أخلصها لها وأن لهم بذلك عند الله المغفرة والأجر العظيم، وذلك في قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7