الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

قوله تعالى: { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ }.

قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة المائدة في الكلام على قوله تعالىفَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } [المائدة: 54].

قوله تعالى: { مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاع }.

قرأ هذا الحرف ابن كثير وابن ذكوان وابن عامر شطأه بفتح الطاء، والباقون من السبعة بسكون الطاء.

وقرأ عامة السبعة غير ابن ذكوان: فآزره بألف بعد الهمزة.

وقرأه ابن ذكوان عن عامر فأزره بلا ألف بعد الهمزة مجرداً.

وقرأ عامة السبعة غير قنبل على سوقه بواو ساكنة بعد السين.

وقرأه قنبل عن ابن كثير بهمزة ساكنة بدلاً من الواو وعنه ضم الهمزة بعد السين بعدها واو ساكنة.

وهذه الآية الكريمة قد بين الله فيها أنه ضرب المثل في الإنجيل للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأنهم كالزرع يظهر في أول نباته رقيقاً ضعيفاً متفرقاً، ثم ينبت بعضه حول بعض، ويغلظ ويتكامل حتى يقوى ويشتد وتعجب جودته أصحاب الزراعة، العارفين بها، فكذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا في أول الإسلام في قلة وضعف ثم لم يزالوا يكثرون ويزدادون قوة حتى بلغوا ما بلغوا.

وقوله تعالى: { كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَه } أي فراخه فنبت في جوانبه. وقوله { فَآزَرَه } على قراءة الجمهور من المؤازرة، بمعنى المعاونة والتقوية، وقال بعض العلماء: { فَآزَرَه } أي ساواه في الطول، وبكل واحد من المعنيين فسر قول امرئ القيس:
بمحنية قد آزر الصال نبتها   مجر جيوش غانمين وخيب
وأما على قراءة ابن ذكوان { فَآزَرَه } بلا ألف، فالمعنى شد أزره أي قواه.

ومنه قوله تعالى عن موسىوَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } [طه: 29-31] الآية. وقوله، { فَٱسْتَغْلَظَ } أي صار ذلك الزرع غليظاً بعد أن كان رقيقاً، وقوله: { فَٱسْتَوَى } أي استتم وتكامل على سوقه أي على قصبه.

وما تضمنته الآية الكريمة من المثل المذكور في الإنجيل المضروب للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بأنهم يكونون في مبدأ أمرهم في قلة وضعف، ثم بعد ذلك يكثرون ويقوون. جاء موضحاً في آيات من كتاب الله تعالى كقولهوَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي ٱلأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ } [الأنفال: 26] الآية. وقوله تعالىوَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ } [آل عمران: 123] وقوله تعالىٱلْيَوْمَ يَئِسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَٱخْشَوْنِ } [المائدة: 3] الآية. إلى غير ذلك من الآيات.