الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ }

الهمزة في قوله: أفلا يتدبرون للإنكار، والفاء عاطفة على جملة محذوفة، على أصح القولين، والتقدير أيعرضون عن كتاب الله فلا يتدبرون القرآن كما أشار له في الخلاصة بقوله:
وحذف متبوع بدا هنا استبح   
وقوله تعالى: { أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ } فيه منقطعة بمعنى بل، فقد أنكر تعالى عليهم إعراضهم عن تدبر القرآن، بأداة الإنكار التي هي الهمزة، وبين أن قلوبهم عليها أقفال لا تنفتح لخير، ولا لفهم قرآن.

وما تضمنته هذه الآية الكريمة من التوبيخ والإنكار على من أعرض عن تدبر كتاب الله، جاء موضحاً في آيات كثيرة، كقوله تعالىأَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخْتِلاَفاً كَثِيراً } [النساء: 82]، وقوله تعالى { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ } [المؤمنون: 68]، وقوله تعالىكِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوۤاْ آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو ٱلأَلْبَابِ } [ص: 29].

وقد ذم جل وعلا المعرض عن هذا القرآن العظيم في آيات كثيرة كقوله تعالى:وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيِاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا } [الكهف: 57] الآية. وقوله تعالى:وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ } [السجدة: 22].

ومعلوم أن كل من لم يشتغل بتدبر آيات هذا القرآن العظيم أي تصفحها وتفهمها، وإدراك معانيها والعمل بها، فإنه معرض عنها، غير متدبر لها، فيستحق الإنكار والتوبيخ المذكور في الآيات إن كان الله أعطاه فهماً يقدر به على التدبر، وقد شكا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه من هجر قومه هذا القرآن، كما قال تعالىوَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِي ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ مَهْجُوراً } [الفرقان: 30].

وهذه الآيات المذكورة تدل على أن تدبر القرآن وتفهمه وتعلمه والعمل به، أمر لا بد منه للمسلمين.

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن المشتغلين بذلك هم خير الناس. كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " وقال تعالى:وَلَـٰكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } [آل عمران: 79].

فإعراض كثير من الأقطار عن النظر في كتاب الله وتفهمه والعمل به وبالسنة الثابتة المبينة له. من أعظم المناكر وأشنعها، وإن ظن فاعلوه أنهم على هدى.

ولا يخفى على عاقل أن القول بمنع العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، اكتفاء عنهما بالمذاهب المدونة. وانتفاء الحاجة إلى تعلمهما، لوجود ما يكفي عنهما من مذاهب الأئمة من أعظم الباطل.

وهو مخالف لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الصحابة، ومخالف لأقوال الأئمة الأربعة.

وهو مخالف لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الصحابة ومخالف لأقوال الأئمة الأربعة.

فمرتكبه مخالف لله ولرسوله ولأصحاب رسوله جميعاً وللأئمة رحمهم الله، كما سترى إيضاحه إن شاء الله تعالى.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد