الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ }

معنى الآية الكريمة أنه يقال للكفار يوم يعرضون على النار: { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ }.

فقوله يعرضون على النار: قال بعض العلماء: معناه يباشرون حرها كقول العرب: عرضهم على السيف إذا قتلهم به، وهو معنى معروف في كلام العرب.

وقد ذكر تعالى مثل ما ذكر هنا في قوله:وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَىٰ ٱلنَّارِ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ } [الأحقاف: 34] وهذا يدل على أن المراد بالعرض مباشرة العذاب لقوله:قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ } [الأحقاف: 34]. وقوله تعالى:فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ ٱلنَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً } [غافر: 45- 46] لأنه عرض عذاب.

وقال بعض العلماء: معنى عرضهم على النار هو تقريبهم منها، والكشف لهم عنها، حتى يروها كما قال تعالى:وَرَأَى ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ } [الكهف: 53] الآية. وقال تعالى:وَجِيۤءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ } [الفجر: 23].

وقال بعض العلماء: في الكلام قلب، وهو مروي عن ابن عباس وغيره.

قالوا: والمعنى ويوم تعرض النار على الذين كفروا قالوا وهو كقول العرب: عرضت الناقة على الحوض. يعنون عرضت الحوض على الناقة، ويدل لهذا قوله تعالى:وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضاً } [الكهف: 100].

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له:

هذا النوع الذي ذكروه من القلب في الآية، كقلب الفاعل مفعولاً، والمفعول فاعلاً، ونحو ذلك اختلف فيه علماء العربية، فمنعه البلاغيون إلا في التشبيه، فأجازوا قلب المشبه مشبهاً به والمشبه به مشبهاً بشرط أن يتضمن ذلك نكتة وسراً لطيفاً كما هو المعروف عندهم فى مبحث التشبية المقلوب.

وأجازه كثير من علماء العربية.

والذي يظهر لنا أنه أسلوب عربي نطقت به العرب في لغتها، إلا أنه يحفظ ما سمع منه، ولا يقاس عليه ومن أمثلته في التشبيه قول الراجز:
ومنهل مغبرة أرجاؤه   كأن لون أرضه سماؤه
أي كأن سماءه لون أرضه، وقول الآخر:
وبدا الصباح كأن غرته   وجه الخليفة حين يمتدح
لأن أصل المراد تشبيه وجه الخليفة بغرة الصباح فقلب التشبية ليوهم أن الفرع أقوى من الأصل في وجه الشبه.

قالوا ومن أمثلته في القرآنوَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ } [القصص: 76]، لأن العصبة من الرجال هي التي تنوء بالمفاتيح أي تنهض بها بمشقة وجهد لكثرتها وثقلها، وقوله تعالى:فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـآءُ } [القصص: 66] أي عموا عنها. ومن أمثلته في كلام العرب قول كعب بن زهير:
كأن أوب ذراعيها إذا عرقت   وقد تلفع بالقور العساقيل
لأن معنى قوله: تلفع لبس اللفاع وهو اللحاف، والقور الحجارة العظام، والعساقيل: السراب.

والكلام مقلوب، لأن القور هي التي تلتحف بالعساقيل لا العكس كما أوضحه لبيد في معلقته بقوله:
فبتلك إذ رقص اللوامع بالضحى   واجتاب أردية السراب إكامها
فصرح بأن الإكام التي هي الحجارة اجتابت أي لبست أردية السراب.

السابقالتالي
2 3 4