الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ }

قوله تعالى: { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغثِيَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } الآية.

التحقيق إن شاء الله أن، { الذي } في قوله: { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ } بمعنى الذين، وأن الآية عامة في كل عاق لوالديه مكذب بالبحث.

والدليل من القرآن على أن الذي، بمعنى الذين، وأن المراد به العموم، أن { الذي } في قوله: { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ } مبتدأ خبره قوله تعالى: { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ } الآية.

والإخبار عن لفظة الذين في قوله { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ } القول بصيغة الجمع، صريح في أن المراد بالذي، العموم لا الإفراد. وخير ما يفسر به القرآن القرآن.

وبهذا الدليل القرآني تعلم أن قول من قال في هذه الآية الكريمة أنها نازلة في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، ليس بصحيح، كما جزمت عائشة رضي الله عنها ببطلانه.

وفي نفس آية الأحقاف هذه دليل آخر واضح على بطلانه، وهو أن الله صرح بأن الذين قالوا تلك المقالة حق عليهم القول، وهو قولهوَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [السجدة: 13].

ومعلوم أن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أسلم وحسن إسلامه، وهو من خيار المسلمين وأفاضل الصحابة، رضي الله عنهم.

وغاية ما في هذه الآية الكريمة هو إطلاق الذي وإرادة الذين، وهو كثير في القرآن وفي كلام العرب، لأن لفظ الذي مفرد ومعناها عام لكل ما تشمله صلتها، وقد تقرر في علم الأصول أن الموصولات كالذي والتي وفروعهما من صيغ العموم، كما أشار له في مراقي السعود بقوله:
صيغة كل أو الجميع   وقد تلا الذي التي الفروع
فمن إطلاق الذي وإرادة الذين في القرآن، هذه الآية الكريمة من سورة الأحقاف، وقوله تعالى في سورة البقرة:مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً } [البقرة: 17] الآية. أي كمثل الذين استوقدوا بدليل قولهذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } [البقرة: 17] بصيغة الجمع في الضمائر الثلاثة التي هي { بِنُورِهِمْ } { وَتَرَكَهُمْ } ، والواو في { لاَّ يُبْصِرُونَ } وقوله تعالى في البقرة أيضاً: { كَٱلَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ } [البقرة: 264] أي كالذين ينفقون بدليل قولهلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ } [البقرة: 264]. وقوله في الزمر:وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } [الزمر: 33] وقوله في التوبةوَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ } [التوبة: 69] أي كالذين خاضوا بناء على أنها موصولة لا مصدرية، ونظير ذلك من كلام العرب قول أشهب بن رميلة:
فإن الذي حانت بفلج دماؤهم   هم القوم كل القوم يا أم خالد
وقول عديل بن الفرخ العجلي:

السابقالتالي
2