الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله تعالى: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ }.

جواب الشرط في هذه الآية محذوف.

وأظهر الأقوال في تقديره إن كان هذا القرآن من عند الله وكفرتم به، وجحدتموه فأنتم ضلال ظالمون. وكون جزاء الشرط في هذه الآية كونهم ضالين ظالمين بينه قوله تعالى في آخر فصلت:قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ } [فصلت 52]، وقوله في آية الأحقاف هذه { فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }.

وقال أبو حيان في البحر: مفعولاً أرأيتم محذوفان لدلالة المعنى عليهما.

والتقدير: أرأيتم حالكم، إن كان كذا ألستم ظالمين.

فالأول حالكم، والثاني ألستم ظالمين، وجواب الشرط محذوف أي فقد ظلمتم.

ولذلك جاء فعل الشرط ماضياً.

وبعض العلماء يقول: إن { أَرَءَيْتُمْ } بمعنى أخبرني، والعلم عند الله تعالى.

قوله تعالى: { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ }.

التحقيق: إن شاء الله، أن هذه الآية الكريمة جارية على أسلوب عربي معروف، وهو إطلاق المثل، على الذات نفسها، كقولهم: مثلك، لا يفعل هذا، يعنون لا ينبغي لك أنت أن تفعله.

وعلى هذا فالمعنى، وشهد شاهد من بني إسرائيل على أن هذا القرآن، وحي منزل حقاً من عند الله، لا أنه شهد على شيء آخر مماثل له.

ولذا قال تعالى { فَآمَنَ وَٱسْتَكْبَرْتُمْ }.

ومما يوضح هذا، تكرر إطلاق المثل في القرآن مراداً به الذات كقوله تعالىأَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَاتِ } [الأنعام: 122] الآية.

فقوله: كمن مثله في الظلمات، أي كمن هو نفسه في الظلمات، وقوله تعالىفَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ } [البقرة: 137] أي فإن آمنوا بما آمنتم به لا بشيء آخر مماثل له على التحقيق.

ويستأنس له بالقراءة المروية عن ابن عباس وابن مسعود { فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ } الآية.

والقول بأن لفظة ما في الآية مصدرية، وأن المراد تشبيه الإيمان بالإيمان، أي فإن آمنوا بإيمان مثل إيمانكم فقد اهتدوا لا يخفى بعده.

والشاهد في الآية هو عبد الله بن سلام رضي الله عنه كما قال الجمهور، وعليه فهذه الآية مدنية في سورة مكية.

وقيل: إن الشاهد موسى بن عمران عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وقيل غير ذلك.