الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِ يُؤْمِنُونَ } * { وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ } * { يَسْمَعُ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }

قوله تعالى: { تَلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ }.

أشار جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم إلى آيات القرآن العظيم، وبين لنبيه أنه يتلوها عليه، متلبسة بالحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه.

وما ذكره جل وعلا في آية الجاثية هذه، ذكره في آيات أخر بلفظه كقوله تعالى في البقرة:وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْعَالَمِين تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [البقرة: 251-252] وقوله تعالى في آل عمران:وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ ٱللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ تِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِّلْعَالَمِين } [آل عمران: 107-108] وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { تلك } بمعنى هذه.

ومن أساليب اللغة العربية إطلاق الإشارة إلى البعيد على الإشارة إلى القريب كقوله:ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ } [البقرة: 2] بمعنى هذا الكتاب. كما حكاه البخاري عن أبي عبيدة معمر بن المثنى، ومن شواهده قول خفاف بن ندبة السلمي:
فإن تك خيلي قد أصيب صميمها   فعمداً على عيني تيممت مالكا
أقول له والرمح يأطر متنه   تأمل خفافاً إنني أنا ذالكا
يعني أنا هذا.

وقد أوضحنا هذا المبحث وذكرنا أوجهه في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب، عن آيات الكتاب) في أول سورة البقرة وقوله تعالى: { نتلوها } أي نقرؤها عليك.

وأسند جل وعلا تلاوتها إلى نفسه لأنها كلامه الذي أنزله على رسوله بواسطة الملك، وأمر الملك أن يتلوه عليه مبلغاً عنه جل وعلا.

ونظير ذلك قوله تعالى:لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [القيامة: 16-19].

فقوله: فإذا قرأناه أي قرأه عليك المرسل به، من قبلنا مبلغاً عنا، وسمعته منه، فاتبع قرآنه أي فاتبع قراءته واقرأه كما سمعته يقرؤه.

وقد أشار تعالى إلى ذلك في قوله:وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } [طه: 114].

وسماعه صلى الله عليه وسلم القرآن من الملك المبلغ عن الله كلام الله وفهمه له هو معنى تنزله إياه على قلبه في قوله تعالى:قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } [البقرة: 97] وقوله تعالى:وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ } [الشعراء: 192-195] وقوله تعالى في هذه الآية: { تَلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ } [الجاثية: 6] يعني آياته الشرعية الدينية.

واعلم أن لفظ الآية، يطلق في اللغة العربية إطلاقين، وفي القرآن العظيم إطلاقين أيضاً. أما إطلاقاه في اللغة العربية.

فالأول منهما وهو المشهور في كلام العرب، فهو إطلاق الآية بمعنى العلامة، وهذا مستفيض في كلام العرب، ومنه قول نابغة ذبيان:

السابقالتالي
2 3 4