* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق
ذكر جل وعلا، في هذه الآيات الكريمة، من أول سورة الجاثية ست براهين، من براهين التوحيد الدالة على عظمته وجلاله، وكمال قدرته، وأنه المستحق للعبادة وحده تعالى.
الأول: منها خلقه السماوات والأرض.
الثاني: خلقه الناس.
الثالث: خلقه الدواب.
الرابع: اختلاف الليل والنهار.
الخامس: إنزال الماء من السماء وإحياء الأرض به.
السادس: تصريف الرياح.
وذكر أن هذه الآيات والبراهين، إنما ينتفع بها المؤمنون، الموقنون الذين يعقلون عن الله حججه، وآياته.
فكأنهم هم المختصون بها دون غيرهم.
ولذا قال: { لآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ } ، ثم قال: { آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } ، ثم قال: { آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }.
وهذه البراهين الستة المذكورة في أول هذه السورة الكريمة، جاءت موضحة في آيات كثيرة جداً كما هو معلوم.
أما الأول منها وهو خلقه السماوات والأرض المذكور في قوله: { إِنَّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ } فقد جاء في آيات كثيرة كقوله تعالى{ أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيب } [ق: 6-8] وقوله تعالى:{ أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْض } [سبأ: 9] الآية. وقوله:{ قُلِ ٱنظُرُواْ مَاذَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا تُغْنِي ٱلآيَاتُ وَٱلنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ } [يونس: 101] الآية. وقوله:{ أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [الأعراف: 185] الآية. وقوله:{ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [الروم: 22 والشورى: 29] في الروم والشورى. وقوله:{ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ فِرَاشاً وَٱلسَّمَاءَ بِنَآءً } [البقرة: 22] وقوله تعالى:{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً وَٱلسَّمَآءَ بِنَـآءً } [غافر: 64]، وقوله تعالى:{ وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُون وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ } [الذاريات: 47-48]. وقوله تعالى:{ أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَاداً } [النبأ: 6] الى قوله{ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً } [النبأ: 12] والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً معروفة.
وأما الثاني منها: وهو خلقه الناس المذكور في قوله: { وَفِي خَلْقِكُم } فقد جاء موضحاً في آيات كثيرة كقوله تعالى:{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَآ أَنتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ } [الروم: 20] وقوله:{ يَاأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱعْبُدُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُم } [البقرة: 21] الآية. وقوله تعالى عن نبيه نوح:{ مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً } نوح: [13-14]، وقوله تعالى:{ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } [الزمر: 6] وقوله{ وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [الذاريات: 21]، والآيات بمثل ذلك كثيرة ومعلومة.
وأما الثالث منها: وهو خلقه الدواب المذكور في قوله: { وَمَا يَبُثُّ مِن دآبَّةٍ } فقد جاء أيضاً موضحاً في آيات كثيرة أيضاً من كتاب الله كقوله تعالى في سورة الشورى:{ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ }