الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ هَـٰذَا هُدًى وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَٰتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ }

الإشارة في قوله { هَـٰذَا هُدًى } راجعة للقرآن العظيم المعبر عنه بآيات الله في قولهتِلْكَ آيَاتُ ٱللَّهِ } [البقرة: 252]. وقولهفَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَآيَاتِهِ } [الجاثية: 6] الآية. وقوله:يَسْمَعُ آيَاتِ ٱللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ } [الجاثية: 8] وقوله:وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً } [الجاثية: 9].

وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن هذا القرآن هدى، وأن من كفر بآياته له العذاب الأليم، جاء موضحاً في غير هذا الموضع.

أما كون القرآن هدى، فقد ذكره تعالى، في آيات كثيرة كقوله تعالىوَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [الأعراف: 52]. وقوله تعالى:وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ } [النحل: 89] وقوله تعالىإِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء: 9] وقوله تعالىشَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَان } [البقرة: 185] وقولهالۤمۤ ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [البقرة: 1-2] وقوله تعالى:قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ } [فصلت: 44]، والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.

وأما كون من كفر بالقرآن يحصل له بسبب ذلك العذاب الأليم، فقد جاء موضحاً في آيات كثيرة كقوله تعالىوَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ } [هود: 17] الآية: وقوله تعالىوَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْراً مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وِزْراً خَالِدِينَ فِيهِ وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ حِمْلاً } [طه: 99-101] وقوله تعالى:ذَلِكَ جَزَآؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَٱتَّخَذُوۤاْ آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً } [الكهف: 106] والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة.

وقد قدمنا في سورة فصلت في الكلام على قوله تعالى:وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ } [فصلت: 17] الآية. وغير ذلك من المواضع، أن الهدى يطلق في القرآن إطلاقاً عاماً، بمعنى أن الهدى هو البيان والإرشاد وإيضاح الحق، كقولهوَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ } [فصلت: 17] أي بينا لهم الحق وأوضحناه وأرشدناهم إليه وإن لم يتبعوه، وكقولههُدًى لِّلنَّاسِ } [البقرة: 185] وقوله هنا { هَـٰذَا هُدًى } وأنه يطلق أيضاً في القرآن بمعناه الخاص وهو التفضل بالتوفيق إلى طريق الحق والاصطفاء كقولههُدًى لِّلْمُتَّقِين } [البقرة: 2] وقولهقُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ } [فصلت: 44] وقولهوَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى } [محمد: 17] وقولهأُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } [الأنعام: 90] إلى غير ذلك من الآيات.

وقد أوضحنا في سورة فصلت أن معرفة إطلاق الهدى المذكورين، يزول بها الإشكال الواقع في آيات من كتاب الله.

والهدى مصدر هداه على غير قياس، وهو هنا من جنس النعت بالمصدر، وبينا فيما مضى مراراً أن تنزيل المصدر منزلة الوصف إما على حذف مضاف، وإما على المبالغة.

وعلى الأول فالمعنى هذا القرآن ذو هدى أي يحصل بسببه الهدى لمن اتبعه كقولهإِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } [الإسراء: 9].

وعلى الثاني فالمعنى أن المراد المبالغة في اتصاف القرآن بالهدى حتى أطلق عليه أنه هو نفس الهدى.

السابقالتالي
2