الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ }

اختلف العلماء في معنى { إِن } في هذه الآية.

فقالت جماعة من أهل العلم إنها شرطية، واختاره غير واحد، وممن اختاره ابن جرير الطبري، والذين قالوا إنها شرطية، اختلفوا في المراد بقوله: فأنا أول العابدين.

فقال بعضهم: فأنا أول العابدين لذلك الولد.

وقال بعضهم: فأنا أول العابدين لله على فرض أن له ولداً.

وقال بعضهم: فأنا أول العابدين لله جازمين بأنه لا يمكن أن يكون له ولد وقالت جماعة آخرون: إن لفظة { إِن } في الآية نافية.

والمعنى ما كان لله ولد، وعلى القول بأنها نافية ففي معنى قوله: { فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } ثلاثة أوجه الأول وهو أقربها: أن المعنى ما كان لله ولد فأنا أول العابدين لله، المنزهين له عن الولد، وعن كل ما لا يليق بكماله، وجلاله.

والثاني أن معنى قوله { فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ }: أي الآنفين المستنكفين من ذلك يعني القول الباطل المفترى على ربنا الذي هو ادعاء الولد له.

والعرب تقول: عبد بكسر الباء يعبد بفتحها فهو عبد بفتح فكسر على القياس، وعابد أيضاً سماعاً، إذا اشتدت أنفته واستنكافه وغضبه، ومنه قول الفرزدق:
أولئك قومي إن هجوني هجوتهم   وأعبد أن أهجو كليباً بدارم
فقوله: وأعبد يعني آنف وأستنكف.

ومنه أيضاً قول الآخر:
متى ما يشأ ذو الود يصرم خليله   ويعبد عليه لا محالة ظالما
وفي قصة عثمان بن عفان رضي الله عنه المشهورة: أنه جيء بامرأة من جهينة تزوجت، فولدت لستة أشهر، فبعث بها عثمان لترجم، اعتقاداً منه أنها كانت حاملاً قبل العقد لولادتها قبل تسعة أشهر، فقال له علي رضي الله عنهما: إن الله يقول:وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً } [الأحقاف: 15]، ويقول جل وعلا:وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } [لقمان: 14] فلم يبق عن الفصال من المدة إلا ستة أشهر.

فما عبد عثمان رضي الله عنه، أن بعث إليها، لترد ولا ترجم.

ومحل الشاهد من القصة، فوالله: [ما عبد عثمان] أي ما أنف ولا استنكف من الرجوع إلى الحق.

الوجه الثالث: أن المعنى { فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } أي الجاحدين النافين أن يكون لله ولد سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً.

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له:

الذي يظهر لي في معنى هذه الآية الكريمة: أنه يتعين المصير إلى القول بأن إن نافية، وأن القول بكونها شرطية لا يمنع أن يصح له معنى بحسب وضع اللغة العربية التي نزل بها القرآن، وإن قال به جماعة من أجلاء العلماء.

وإنما اخترنا أن { إن } هي النافية لا الشرطية، وقلنا إن المصير إلى ذلك متعين في نظرنا لأربعة أمور:

الأول: إن هذا القول جار على الأسلوب العربي، جرياناً واضحاً، لا إشكال فيه، فكون إن كان بمعنى ما كان كثير في القرآن، وفي كلام العرب كقوله تعالى:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد