الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ }

قوله تعالى: { فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ }.

الضمير في قوله منهم عائد إلى القوم المسرفين، المخاطبين بقوله:أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } [الزخرف: 5]، وفيه ما يسميه علماء البلاغة بالالتفات من الخطاب إلى الغيبة.

وقوله { أَشَدَّ مِنْهُم } مفعول به لأهلكنا، وأصله نعت لمحذوف، والتقدير: فأهلكنا قوماً أشد منهم بطشاً، على حد قوله في الخلاصة:
وما من المنعوت والنعت عُقِلْ   يجوز حذفه وفي النعت يَقِل
وقوله بطشاً: تمييز محول من الفاعل على حد قوله في الخلاصة:
والفاعل المعنى انصبن بأفعَلاَ   مفضِّلاً كأنت أعلا منزِلاَ
والبطش: أصله الأخذ بعنف وشدة.

والمعنى: فأهلكنا قوماً أشد بطشاً من كفار مكة الذين كذبوا نبينا بسبب تذكيبهم رسلهم فليحذر الكفار الذين كذبوك أن نهلكهم بسبب ذلك كما أهلكنا الذين كانوا أشد منهم بطشاً، أي أكثر منهم عَدداً وعُدداً وجلداً.

فعلى الأضعف الأقل أن يتعظ بإهلاك الأقوى الأكثر.

وقوله في هذه الآية الكريمة: { وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِين } أي صفتهم التي هي إهلاكهم المستأصل، بسبب تكذيبهم الرسل.

وقول من قال: { مَثَلُ ٱلأَوَّلِين } أي عقوبتهم وسنتهم راجع في المعنى إلى ذلك.

وما تضمنته هذه الآية الكريمة من تهديد الكفار الذين كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم، بأن الله أهلك من هم أقوى منهم، ليحذروا أن يفعل بهم مثل ما فعل بأولئك، جاء موضحاً في آيات أخر كقوله تعالى:أَوَلَمْ يَسيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُواْ ٱلأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا } [الروم: 9] الآية. وقوله تعالى:أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوۤاْ أَكْـثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ } [غافر: 82] الآية. وقوله تعالى:أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيْهِم مَّدْرَاراً } [الأنعام: 6] إلى قوله تعالى:فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ } [الأنعام: 6] الآية. وقوله تعالى:وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } [سبأ: 45]. وقوله تعالى:أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً } [فاطر: 44].

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِين } ما تضمنته هذه الآية الكريمة من تهديد كفار مكة الذين كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم، بصفته إهلاكهم وسنته فيهم التي هي العقوبة وعذاب الاستئصال، جاء موضحاً في آيات أخر كقوله تعالى:فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً ٱسْتِكْبَاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ آلأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً }

السابقالتالي
2