الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنَادَوْاْ يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ }

اللام في قوله { لِيَقْضِ } لام الدعاء.

والظاهر أن المعنى، أن مرادهم بذلك سؤال مالك خازن النار، أن يدعو الله لهم بالموت.

والدليل على ذلك أمران:

الأول: أنهم لو أرادوا دعاء الله بأنفسهم أن يميتهم لما نادوا يا مالك، ولما خاطبوه في قولهم: { رَبُّكَ }.

والثاني: أن الله بين في سورة المؤمن أن أهل النار، يطلبون خزنة النار، أن يدعو الله لهم ليخفف عنهم العذاب، وذلك في قوله تعالى:وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِي ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ ٱلْعَذَابِ } [غافر: 49]. وقوله { لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } أي ليمتنا فنستريح بالموت من العذاب.

ونظيره قوله تعالى:فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ } [القصص: 15] أي أماته.

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } دليل على أنهم لا يجابون إلى الموت بل يمكثون في النار معذبين إلى غير نهاية.

وقد دل القرآن العظيم على أنهم لا يموتون فيها فيستريحوا بالموت، ولا تغني هي عنهم، ولا يخفف عنهم عذابها، ولا يخرجون منها.

أما كونهم لا يموتون فيها الذي دل عليه قوله هنا { قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ } فقد دلت عليه آيات من كتاب الله كقوله تعالى:إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ } [طه: 74]، وقوله تعالى:وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلأَشْقَى ٱلَّذِى يَصْلَى ٱلنَّارَ ٱلْكُبْرَىٰ ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا } [الأعلى: 11-13]. وقوله تعالى:وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ } [فاطر: 36] الآية. وقوله تعالى:وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ } [إبراهيم: 17] الآية.

وأما كون النار لا تغني عنهم، فقد بينه تعالى بقوله:كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } [الإسراء: 97]، فمن يدعي أن للنار خبوة نهائية وفناء رد عليه بهذه الآية الكريمة.

وأما كون العذاب لا يخفف عنه فقد دلت عليه آيات كثيرة جداً كقوله:وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا } [فاطر: 36]. وقوله تعالى:فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ } [النحل: 85]، وقوله تعالى:فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً } [النبأ: 30]، وقوله تعالى:لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ } [الزخرف: 75] الآية. وقوله:إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً } [الفرقان: 65] وقوله تعالى:فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً } [الفرقان: 77] على الأصح في الأخيرين.

وأما كونهم لا يخرجون منها فقد جاء موضحاً في آيات من كتاب الله، كقوله تعالى في البقرة:كَذَلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ } [البقرة: 167] وقوله تعالى في المائدة:يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } [المائدة: 37]، وقوله تعالى في الحج:كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا } [الحج: 22] الآية. وقوله تعالى في السجدة:كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا } [السجدة: 20]، وقوله تعالى في الجاثية:فَٱلْيَوْمَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعَتَبُونَ } [الجاثية: 35] إلى غير ذلك من الآيات.

وقد أوضحنا هذا المبحث إيضاحاً شافياً في كتابنا " دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب " في سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالىقَالَ ٱلنَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } [الأنعام: 128] وفي سورة النبأ في الكلام على قوله تعالى:لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً } [النبأ: 23] وسنوضحه أيضاً إن شاء الله، في هذا الكتاب المبارك في الكلام على آية النبأ المذكورة، ونوضح هناك إن شاء الله إزالة إشكال يورده الملحدون على الآيات التي فيها إيضاح هذا المبحث.