الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

قوله تعالى: { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ }.

قد قدمنا الآيات الموضحة له، وجميع الآيات التي فيها الإنعام على أهل الجنة بأواني الذهب والفضة، والتحلي بهما، ولبس الحرير، ومنه السندس والإستبرق، وفي سورة النحل في الكلام على قوله تعالى:وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } [النحل: 14].

قوله تعالى: { وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }.

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أن كل ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، أي تلتذ به الأعين أي برؤيته لحسنه، كما قال تعالى:صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّاظِرِينَ } [البقرة: 69]. وأسند اللذة إلى العين، وهي في الحقيقة مسندة لصاحب العين، كإسناد الكذب والخطيئة إلى الناصية، وهي مقدم شعر الرأس، في قوله تعالى:نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ } [العلق: 16] وكإسناد الخشوع، والعمل والنصب، إلى الوجوه، في قوله تعالى:وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ } [الغاشية: 2-3] الآية.

ومعلوم أن الكذب والخطيئة مسندان في الحقيقة لصاحب الناصية، كما أن الخشوع والعمل، والنصب مسندات إلى أصحاب الوجوه.

وما دلت عليه هذه الآية الكريمة من أن الجنة، فيها كل مشتهى، وكل مستلذ، جاء مبسوطاً موضحة أنواعه في آيات كثيرة، من كتاب الله، وجاء محمد أيضاً إجمالاً شاملاً لكل شيء من النعيم.

أما إجمال ذلك ففي قوله تعالى:فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [السجدة: 17].

وأما بسط ذلك وتفصيله، فقد بين القرآن، أن من ذلك النعيم المذكور في الآية، المشارب، والمآكل والمناكح، والفرش والسرر، والأواني، وأنواع الحلي والملابس والخدم إلى غير ذلك، وسنذكر بعض الآيات الدالة على كل شيء من ذلك.

أما المآكل فقد قال تعالى:لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ } [الزخرف: 73]، وقال:وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } [الواقعة: 21] وقال تعالى:وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } [الواقعة: 32-33] وقال تعالى:كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً } [البقرة: 25] الآية. إلى غير ذلك من الآيات.

أما المشارب، فقد قال تعالى:إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } [الإنسان: 5-6]. وقال تعالى:وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } [الإنسان: 17-18] الآية، وقوله تعالى:يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ } [الواقعة: 17-19]. وقال تعالى:يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ } [الصافات: 45-47]: وقال تعالى:فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } [محمد صلى الله عليه وسلم: 15] وقال تعالىكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } [الحاقة: 24] إلى غير ذلك من الآيات.

السابقالتالي
2