الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ }

قوله تعالى: { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا }.

التحقيق أن الضمير في قوله: وإنه راجع إلى عيسى لا إلى القرآن، ولا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

ومعنى قوله: { لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَة } على القول الحق الصحيح الذي يشهد له القرآن العظيم، والسنة المتواترة، هو أن نزول عيسى في آخر الزمان، حيا علم للساعة أي علامة لقرب مجيئها لأنه من أشراطها الدالة على قربها.

وإطلاق علم الساعة على نفس عيسى، جار على أمرين، كلاهما أسلوب عربي معروف.

أحدهما: أن نزول عيسى المذكور، لما كان علامة لقربها، كانت تلك العلامة، سبباً لعلم قربها، فأطلق في الآية المسبب وأريد السبب.

وإطلاق المسبب وإرادة السبب، أسلوب عربي معروف في القرآن، وفي كلام العرب.

ومن أمثلته في القرآن قوله تعالى:وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً } [غافر: 13].

فالرزق مسبب عن المطر والمطر سببه، فأطلق المسبب الذي هو الرزق وأريد سببه الذي هو المطر للملابسة القوية التي بين السبب والمسبب.

ومعلوم أن البلاغيين، ومن وافقهم، يزعمون أن مثل ذلك، من نوع ما يسمونه المجاز المرسل، وأن الملابسة بين السبب والمسبب من علاقات المجاز المرسل عندهم.

والثاني من الأمرين أن غاية ما في ذلك، أن الكلام على حذف مضاف، والتقدير، وإنه لذو علم للساعة، أي وإنه لصاحب إعلام الناس، بقرب مجيئها، لكونه علامة لذلك، وحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، كثير في القرآن، وفي كلام العرب، وإليه أشار في الخلاصة بقوله:
وما يلي المضاف يأت خلفا   عنه في الإعراب إذا ما حذفا
وهذا الأخير أحد الوجهين اللذين وجه بهما علماء العربية النعت بالمصدر كقولك: زيد كرم وعمرو عدل أي ذو كرم وذو عدل كما قال تعالى:وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ } [الطلاق: 2]، وقد أشار إلى ذلك في الخلاصة بقوله:
ونعتوا بمصدر كثيرا   فالتزموا الإفراد والتذكيرا
أما دلالة القرآن الكريم على هذا القول الصحيح، ففي قوله تعالى في سورة النساء:وَإِن مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ } [النساء: 159] أي ليؤمنن بعيسى قبل موت عيسى، وذلك صريح في أن عيسى حي وقت نزول آية النساء هذه، وأنه لا يموت حتى يؤمن به أهل الكتاب.

ومعلوم أنهم لا يؤمنون به إلا بعد نزوله إلى الأرض.

فإن قيل قد ذهبت جماعة من المفسرين، من الصحابة فمن بعدهم إلى أن الضمير في قوله: قبل موته راجع إلى الكتابي، أي إلا ليؤمنن به الكتابي قبل موت الكتابي.

فالجواب أن يكون الضمير راجعاً إلى عيسى، يجب المصير إليه، دون القول الآخر، لأنه أرجح منه من أربعة أوجه:

الأول: أنه هو ظاهر القرآن المتبادر منه، وعليه تنسجم الضمائر بعضها مع بعض.

والقول الآخر بخلاف ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7