الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } * { وَقَالُوۤاْ ءَأَ ٰلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ }

قرأ هذا الحرف نافع وابن عامر والكسائي (يصدون) بضم الصاد.

وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة (يصدون) بكسر الصاد.

فعلى قراءة الكسر فمعنى يصدون يضجون ويصيحون، وقيل يضحكون، وقيل معنى القراءتين واحد. كيعرشون ويعرشون ويعكفون ويعكفون.

وعلى قراءة الضم فهو من الصدود والفاعل المحذوف في قوله (ضرب).

قال جمهور المفسرين هو عبد الله بن الزبعري السهمي قبل إسلامه.

أي ولما ضرب ابن الزبعري المذكور عيسى ابن مريم مثلاً فاجأك قومك بالضجيج والصياح والضحك، فرحاً منهم وزعماً منهم أن ابن الزبعري خصمك، أو فاجأك صدودهم عن الإيمان بسبب ذلك المثل.

والظاهر أن لفظة من هنا سببية، ومعلوم أن أهل العربية، يذكرون أن من معاني من السببية، ومنه قوله تعالى:مِّمَّا خَطِيۤئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً } [نوح: 25].

أي بسبب خطيئاتهم أغرقوا.

ومن ذلك قول الحالفين في أيمان القسامة: أقسم بالله لمن ضربه مات.

وإيضاح معنى ضرب ابن الزبعري عيسى مثلاً أن الله لما أنزل قوله تعالىإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } [الأنبياء: 98]، قال ابن الزبعري: إن محمداً صلى الله عليه وسلم يقول إن كل معبود من دون الله في النار وأننا وأصنامنا جميعاً في النار، وهذا عيسى ابن مريم قد عبده النصارى من دون الله فإن كان ابن مريم مع النصارى الذين عبدوه في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معه.

وقالوا مثل ذلك في عزير والملائكة لأن عزيراً عبده اليهود، والملائكة عبدهم بعض العرب.

فاتضح أن ضربه عيسى مثلاً، يعني أنه على ما يزعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم قاله، من أن كل معبود وعابده في النار، يقتضي أن يكون عيسى مثلاً لأصنامهم، في كون الجميع في النار، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يثني على عيسى الثناء الجميل، ويبين للناس أنه عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه.

فزعم ابن الزبعري أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لما اقتضى مساواة الأصنام مع عيسى في دخول النار مع أنه صلى الله عليه وسلم يعترف بأن عيسى رسول الله وأنه ليس في النار، دل ذلك على بطلان كلامه عنده.

وعند ذلك أنزل اللهإِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ } [الأنبياء: 101-103] الآية، وأنزل الله أيضاً قوله تعالى: { وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً } [الزخرف: 57] الآية.

وعلى هذا القول فمعنى قوله تعالى: { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاَ } ، أي ما ضربوا عيسى مثلاً إلا من أجل الجدل والخصومة بالباطل.

وقيل إن جدلاً حال وإتيان المصدر المنكر حالاً كثير، وقد أوضحنا توجيهه مراراً.

السابقالتالي
2 3 4