الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِٱلرَّحْمَـٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ } * { وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ } * { وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ }

قوله لبيوتهم، في الموضعين، قرأه ورش وأبو عمرو وحفص، عن عاصم بضم الباء على الأصل.

وقرأه قالون، عن نافع وابن كثير، وابن عامر، وحمزة والكسائي، وشعبة عن عاصم { لبيوتهم } بكسر الباء لمجانسة الكسرة للياء.

وقوله سقفاً: قرأه نافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي، وعاصم، سقفاً بضمتين، على الجمع.

وقرأه ابن كثير وأبو عمرو { سقفاً } بفتح السين وإسكان القاف على الإفراد المراد به الجمع.

وقوله: { وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا } قرأه نافع وابن كثير، وابن عامر، في رواية ابن ذكوان، وإحدى الروايتين عن هشام وأبي عمرو والكسائي { لما متاع الحياة الدنيا } بتخفيف الميم من لما.

وقرأه عاصم، وحمزة وهشام، عن ابن عامر، وفي إحدى الروايتين { لما متاع الحياة الدنيا } بتشديد الميم من لما.

ومعنى الآية الكريمة، أن الله لما بين حقارة الدنيا، وعظم شأن الآخرة في قوله:وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [الزخرف: 32].

أتبع ذلك ببيان شدة حقارتها، وأنه جعلها مشتركة، بين المؤمنين، والكافرين وجعل ما في الآخرة من النعيم خاصاً بالمؤمنين، دون الكافرين وبين حكمته في اشتراك المؤمن مع الكافر، في نعيم الدنيا بقوله: { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } أي لولا كراهتنا لكون جميع الناس أمة واحدة، متفقة على الكفر، لأعطينا زخارف الدنيا كلها للكفار.

ولكننا لعلمنا، بشدة ميل القلوب إلى زهرة الحياة الدنيا، وحبها لها لو أعطينا ذلك كله للكفار، لحملت الرغبة في الدنيا جميع الناس على أن يكونوا كفاراً، فجعلنا في كل من الكافرين والمؤمنين غنياً وفقيراً، وأشركنا بينهم في الحياة الدنيا.

ثم بين جل وعلا اختصاص نعيم الآخرة بالمؤمنين في قوله: { وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } [الزخرف: 35].

أي خالصة لهم دون غيرهم.

وهذا المعنى جاء موضحاً في غير هذا الموضع، كقوله تعالى في الأعراف:قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَة } [الأعراف: 32].

فقوله:قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [الأعراف: 32] أي مشتركة بينهم في الحياة الدنيا، خالصة يوم القيامة.

أي خاصة بهم، دون الكفار، يوم القيامة.

إذ لا نصيب للكفار البتة في طيبات الآخرة.

فقوله في آية الأعراف هذهقُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [الأعراف: 32] صريح في اشتراك المؤمنين مع الكفار في متاع الحياة الدنيا.

وذلك الاشتراك المذكور، دل عليه حرف الامتناع، للوجود الذي هو لولا، في قوله هنا { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } [الزخرف: 33].

وخصوص طيبات الآخرة، بالمؤمنين المنصوص عليه في آية الأعراف بقولهخَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَة } [الأعراف: 32] هو الذي أوضحه تعالى في آية الزخرف هذه بقوله { وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } [الزخرف: 35].

السابقالتالي
2 3