الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } * { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ }

وقالوا: أي قال كفار مكة، لولا أي هلا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين، أي من إحدى القريتين، وهما مكة والطائف عظيم يعنون بعظمه، كثرة ماله وعظم جاهه، وعلو منزلته في قومه، وعظيم مكة الذي يريدون هو الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب، وفي مرة بن كعب يجتمع نسبه بالنبي صلى الله عليه وسلم.

وقيل: هو عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف.

وعظيم الطائف. هو عروة بن مسعود. وقيل حبيب بن عمرو بن عمير. وقيل هو كنانة بن عبد يا ليل وقيل غير ذلك.

وإيضاح الآية أن الكفار أنكروا أولاً أن يبعث الله رسولاً من البشر كما أوضحناه مراراً.

ثم لما سمعوا الأدلة على أن الله لم يبعث إلى البشر رسولاً إلا من البشر تنازلوا عن اقتراحهم إرسال رسل من الملائكة إلى اقتراح آخر، وهو اقتراح تنزيل هذا القرآن على أحد الرجلين المذكورين:

وهذا الاقتراح يدل على شدة جهلهم، وسخافة عقولهم، حيث يجعلون كثرة المال، والجاه في الدنيا، موجباً لاستحقاق النبوة. وتنزيل الوحي.

ولذا زعموا، أن محمداً صلى الله عليه وسلم، ليس أهلاً لإنزال هذا القرآن عليه، لقلة ماله، وأن أحد الرجلين المذكورين أحق أن ينزل عليه القرآن منه صلى الله عليه وسلم.

وقد بين تعالى في هذه الآية الكريمة، شدة جهلهم، وسخافة عقولهم، بقوله { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } والظاهر المتبادر أن المراد برحمة ربك النبوة وإنزال الوحي.

وإطلاق الرحمة على ذلك متعدد في القرآن كقوله تعالى في الدخانإِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } [الدخان: 5-6] الآية، وقوله في آخر القصصوَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } [القصص: 86] الآية، وقوله في آخر الأنبياءوَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: 107].

وقد قدمنا الآيات الدالة، على إطلاق الرحمة: والعلم على النبوة في سورة الكهف، في الكلام على قوله تعالى:فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا } [الكهف: 65] الآية.

وقدمنا معاني إطلاق الرحمة، في القرآن في سورة فاطر، في الكلام على قوله تعالىمَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا } [فاطر: 2] الآية.

وقوله تعالى في هذه الآية { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } [الزخرف: 32] يعني أنه تعالى لم يفوض إليهم أمر معايشهم وحظوظهم، في الدنيا، بل تولى هو جل وعلا قسمة ذلك بينهم، فجعل هذا غنياً، وهذا فقيراً، وهذا رفيعاً، وهذا وضيعاً، وهذا خادماً، وهذا مخدوماً، ونحو ذلك فإذا لم يفوض إليهم، حظوظهم في الدنيا، ولم يحكمهم فيها.

بل كان تعالى هو المتصرف فيها بما شاء كيف شاء، فكيف يفوض إليهم أمر إنزال الوحي حتى يتحكموا في من ينزل إليه الوحي؟

فهذا مما لا يعقل ولا يظنه إلا غبي جاهل كالكفار المذكورين.

السابقالتالي
2 3