الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ }

في هذه الآية الكريمة إشكال معروف، ووجهه أن قول الكفار الذي ذكره الله عنهم هنا، أعني قوله تعالى { وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ } [الزخرف: 20]، هو بالنظر إلى ظاهره كلام صحيح، لأن الله لو شاء أن يعبدوهم ما عبدوهم، كما قال تعالىوَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُوا } [الأنعام: 107]، وقال تعالى:وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } [الأنعام: 35]، وقال تعالى:وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } [السجدة: 13] الآية. وقال تعالى:فَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ } [الأنعام: 149]، وقال تعالى:وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } [يونس: 99].

وهذا الإشكال المذكور في آية الزخرف هو بعينه واقع في آية الأنعام، وآية النحل.

أما آية الأنعام فهي قوله:سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ } [الأنعام: 148].

وأما آية النحل، فهي قوله:وَقَالَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلاۤ آبَاؤُنَا } [النحل: 35] الآية.

فإذا عرفت أن ظاهر آية الزخرف وآية الأنعام، وآية النحل: أن ما قاله الكفار حق، وأن الله لو شاء ما عبدوا من دونه من شيء ولا أشركوا به شيئاً، كما ذكرنا في الآيات الموضحة قريباً.

فاعلم أن وجه الإشكال، أن الله صرح بكذبهم في هذه الدعوى التي ظاهرها حق، قال في آية الزخرف: { مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [الزخرف: 20] أي يكذبون، وقال في آية الأنعامكَذٰلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ } [الأنعام: 148]، وقال في آية النحلكَذٰلِكَ فَعَلَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى ٱلرُّسُلِ إِلاَّ ٱلْبَلاغُ ٱلْمُبِينُ } [النحل: 35].

ومعلوم أن الذي فعله الذين من قبلهم، هو الكفر بالله والكذب على الله، في جعل الشركاء له وأنه حرم ما لم يحرمه.

والجواب عن هذا أن مراد الكفار بقولهم { لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ } [الزخرف: 20] وقولهملَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا } [الأنعام: 148] مرادهم به أن الله لما كان قادراً على منعهم من الشرك، وهدايتهم إلى الإيمان ولم يمنعهم من الشرك. دل ذلك على أنه راض منهم بالشرك في زعمهم.

قالوا لأنه لو لم يكن راضياً به، لصرفنا عنه، فتكذيب الله لهم في الآيات المذكورة منصب على دعواهم أنه راض به، والله جل وعلا يكذب هذه الدعوى في الآيات المذكورة وفي قولهوَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ } [الزمر: 7].

فالكفار زعموا أن الإرادة الكونية القدرية، تستلزم الرضى وهو زعم باطل، وهو الذي كذبهم الله فيه من الآيات المذكورة.

وقد أشار تعالى إلى هذه الآيات المذكورة، حيث قال في آية الزخرف:

السابقالتالي
2 3 4