الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } * { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ }

قوله تعالى: { وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا }.

الأزواج الأصناف، والزوج تطلقه العرب على الصنف.

وقد بين تعالى أن الأزواج المذكورة هنا تشمل أصناف النبات وبني آدم وما لا يعلمه إلا الله.

قال تعالى:سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُون } [يس: 36].

وقال تعالى:وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ } [طه: 53] وقال تعالى:فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ } [الحج: 5] أي من كل صنف حسن من أصناف النبات.

وقال تعالى:وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } [لقمان: 10]. ومن إطلاق الأزواج على الأصناف في القرآن قوله تعالى:وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } [ص: 58]. وقوله تعالى:وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُم } [طه: 131].

وقد قدمنا طرفاً من ذلك في سورة الصافات في الكلام على قوله تعالىٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُم } [الصافات: 22] الآية.

قوله تعالى: { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ }.

قد قدمنا الآيات الموضحة له بكثرة في سورة المؤمن، في الكلام على قوله تعالىٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا } [غافر: 79] الآية. وضمير المفرد المذكر الغائب في قوله: { لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ } ، وقوله: { إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ } راجع إلى لفظ ما في قوله: { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ }.

قوله تعالى: { وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ }.

يعني جل وعلا أنه جعل لبني آدم ما يركبونه من الفلك التي هي السفن، ومن الأنعام ليستووا أي يرتفعوا معتدلين على ظهوره ثم يذكروا في قلوبهم نعمة ربهم عليهم بتلك المركوبات ثم يقولوا بألسنتهم مع تفهم معنى ما يقولون { سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِين } [الزخرف: 13].

وقوله: " سبحان " قد قدمنا في أول سورة بني إسرائيل معناه، بإيضاح وأنه يدل على تنزيه الله جل وعلا أكمل التنزيه وأتمه عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله والإشارة في قوله { هَـٰذَا } راجعة إلى لفظ { مَا } من قوله: { مَا تَرْكَبُونَ } وجمع الظهور نظراً إلى معنى { مَا } ، لأن معناها عام شامل لكل ما تشمله صلتها ولفظها مفرد، فالجمع في الآية باعتبار معناها، والإفراد باعتبار لفظها.

وقوله: { ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا } أي الذي ذلل لنا هذا الذي هو ما نركبه من الأنعام والسفن لأن الأنعام لو لم يذللها الله لهم لما قدروا عليها ولا يخفى أن الجمل أقوى من الرجل، وكذلك البحر لو لم يذللـه لهم ويسخر لهم إجراء السفن فيه لما قدروا على شيء من ذلك.

وقوله تعالى: { وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } أي مطيقين.

السابقالتالي
2