الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ }

قوله تعالى: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً }.

وقد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الشعراء في الكلام على قوله تعالى:لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ } [الشعراء: 194ـ195]، وفي الزمر في الكلام على قوله تعالى:قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ } [الزمر: 28] وفي غير ذلك من المواضع.

قوله تعالى: { لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا }.

خص الله تبارك وتعالى في هذه الآية الكريمة إنذاره، صلى الله عليه وسلم بأم القرى ومن حولها، والمراد بأم القرى مكة حرسها الله.

ولكنه أوضح في آيات أخر أن إنذاره عام لجميع الثقلين كقوله تعالى:قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً } [الأعراف: 158] وقوله تعالى:تَبَارَكَ ٱلَّذِي نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [الفرقان: 1] وقوله تعالى:وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ } [سبأ: 28] الآية. كما أوضحنا ذلك مراراً في هذا الكتاب المبارك.

وقد ذكرنا الجواب عن تخصيص أم القرى ومن حولها هنا وفي سورة الأنعام في قوله تعالى:وَلِتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا وَٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ } [الأنعام: 92] الآية، في كتابنا دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، فقلنا فيه: والجواب من وجهين:

الأول: أن المراد بقوله:وَمَنْ حَوْلَهَا } [الأنعام: 92] شامل لجميع الأرض، كما رواه ابن جرير وغيره، عن ابن عباس.

الوجه الثاني: أنا لو سلمنا تسليماً جدلياً، أن قولهوَمَنْ حَوْلَهَا } [الأنعام: 92] لا يتناول إلا القريب من مكة المكرمة حرسها الله، كجزيرة العرب مثلاً، فإن الآيات الأخر، نصت على العموم كقولهلِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [الفرقان: 1] وذكر بعض أفراد العام بحكم العام، لا يخصصه عند عامة العلماء، ولم يخالف فيه إلا أبو ثور.

وقد قدمنا ذلك واضحاً بأدلته في سورة المائدة، فالآية على هذا القول كقولهوَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [الشعراء: 214] فإنه لا يدل على عدم إنذار غيرهم، كما هو واضح. والعلم عند الله تعالى اهـ منه.

قوله تعالى: { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ لاَ رَيْبَ فِيه }.

تضمنت هذه الآية الكريمة أمرين:

أحدهما: أن من حكم إيحائه تعالى، إلى نبينا صلى الله عليه وسلم هذا القرآن العربي، إنذار يوم الجمع، فقوله تعالى: { وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ } معطوف على قوله: { لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ } أي لا بد أن تنذر أم القرى وأن تنذر يوم الجمع فحذف في الأول، أحد المفعولين وحذف في الثاني أحدهما، فكان ما أثبت في كل منهما، دليلاً على ما حذف في الثاني، ففي الأول حذف المفعول الثاني، والتقدير " لتنذر أم القرى " أي أهل مكة ومن حولها، عذاباً شديداً إن لم يؤمنوا، وفي الثاني حذف المفعول الأول، أي وتنذر الناس يوم الجمع وهو يوم القيامة أي تخوفهم مما فيه من الأهوال، والأوجال ليستعدوا لذلك في دار الدنيا.

والثاني: أن يوم الجمع المذكور لا ريب فيه، أي لا شك في وقوعه، وهذان الأمران اللذان تضمنتهما هذه الآية الكريمة، جاءا موضحين في آيات أخر.

السابقالتالي
2