الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

قوله تعالى: { لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِر }.

مقاليد السموات والأرض هي مفاتيحهما.

وهو جمع لا واحد له من لفظه، فمفردها إقليد، وجمعها مقاليد على غير قياس.

والإقليد المفتاح. وقيل: واحدها مقليد، وهو قول غير معروف في اللغة.

وكونه جل وعلا { لَهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْض } أي مفاتيحهما كناية عن كونه جل وعلا هو وحده المالك لخزائن السماوات والأرض لأن ملك مفاتيحها يستلزم ملكها.

وقد ذكر جل وعلا مثل هذا في سورة الزمر في قوله تعالى:اللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [الزمر: 62-63] الآية.

وما دلت عليه آية الشورى هذه وآية الزمر المذكورتان من أنه جل وعلا هو مالك خزائن السماوات والأرض، جاء موضحاً في آيات أخر كقوله تعالى:وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ } [المنافقون: 7] وقوله تعالى:وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ } [الحجر: 21].

وبين في مواضع أخر أن خزائن رحمته لا يمكن أن تكون لغيره، كقوله تعالى:أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ } [ص: 9] وقوله تعالىأَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ ٱلْمُسَيْطِرُونَ } [الطور: 37] وقوله تعالىقُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ ٱلإِنْفَاقِ وَكَانَ ٱلإنْسَانُ قَتُورا } [الإسراء: 100].

وقوله في هذه الآية الكريمة { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِر } جاء معناه موضحاً في آيات أخر كقوله تعالىقُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ } [سبأ: 39] الآية. وقوله تعالىقُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [سبأ: 36] وقوله تعالىٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [الرعد: 26] الآية. وقوله تعالى:وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ } [النحل: 71] الآية. وقوله تعالى:نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } [الزخرف: 32] الآية. وقوله تعالىإِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَٱللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا } [النساء: 135] الآية. وقوله تعالىلِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّآ آتَاهُ ٱللَّه } [الطلاق: 7] الآية. وقوله تعالى: { وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُه } أي ضيق عليه رزقه لقلته. وكذلك قوله { يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِر } في الآيات المذكورة.

أي يبسط الرزق لمن يشاء بسطه له ويقدر، أي يضيق الرزق على من يشاء تضييقه عليه كما أوضحناه في سورة الأنبياء في الكلام على قوله تعالىفَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْه } [الأنبياء: 87].

وقد بين جل وعلا في بعض الآيات حكمة تضييقه للرزق على من ضيقه عليه.

وذكر أن من حكم ذلك أن بسط الرزق للإنسان، قد يحمله على البغي والطغيان كقوله تعالىوَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرُ بَصِيرٌ } [الشورى: 27]، وقوله تعالى:كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [العلق: 6-7].