الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ }

الأجر جزاء العمل، وجزاء عمل الذين آمنوا وعملوا الصالحات، هو نعيم الجنة وذلك الجزاء غير ممنون، أي غير مقطوع، فالممنون اسم مفعول منه بمعنى قطعه، ومنه قول لبيد بن ربيعة في معلقته:
لمعفر فهدٍ تنازع شِلْوَةٌ   غُبْسٌ كواسِبُ ما يمن طعامها
فقوله: ما يمن طعامها أي ما يقطع، وقول ذي الأصبع:
إني لعمرك ما بابي بذي غلق   على الصديق ولا خيري بممْنونِ
وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من أن أجرهم غير ممنون، نص الله تعالى عليه في آيات أخر من كتابه، كقوله تعالى في آخر سورة الانشقاقإِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } [الانشقاق: 25]. وقوله تعالى في سورة التين:إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } [التين: 6] وقوله تعالى في سورة هودوَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [هود: 108].

فقوله: غير مجذوذ أي غير مقطوع، وبه تعلم أن غير مجذوذ وغير ممنون، معناهما واحد.

وقوله تعالى في صإِنَّ هَـٰذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ } [ص: 54] أي ماله من انتهاء ولا انقطاع. وقوله في النحلمَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٍ } [النحل: 96].

وهذا الذي ذكرنا هو الذي عليه الجمهور خلافاً لمن قال: إن معنى غير ممنون، غير ممنون عليهم به.

وعليه، فالمن في الآية من جنس المن المذكور، في قوله تعالى:لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ } [البقرة: 264].

ومن قال: إن معنى غير ممنون، غير منقوص، محتجاً بأن العرب تطلق الممنون على المنقوص، قالوا: ومنه قول زهير:
فضل الجياد على الخيل البطاءِ فلا   يعطي بذلك مَمْنوناً ولا نَزَقَا
فقوله ممنوناً أي منقوصاً.

وهذا وإن صح لغة، فالأظهر أنه ليس معنى الآية.

بل معناها: هو ما قدمنا. والعلم عند الله تعالى.