الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ }

قرأ هذا الحرف عامة القراء غير نافع (يحشر) بضم الياء وفتح الشين مبنياً للمفعول (أعداء الله) بالرفع على أنه نائب الفاعل.

وقرأه نافع وحمزة، من السبعة (نحشر أعداء الله) بالنون المفتوحة الدالة على العظمة، وضم الشين مبنياً للفاعل، (أعداء الله) بالنصب على أنه مفعول به، أي واذكر { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ } أي يجمعون إلى النار.

وما دلت عليه هذه الآية، من أن لله أعداء، وأنهم يحشرون يوم القيامة إلى النار. جاء مذكوراً في آيات أخر.

فبين في بعضها أن له أعداء وأن أعداءه هم أعداء المؤمنين وأن جزاءهم النار كقوله تعالىمَن كَانَ عَدُوّاً للَّهِ وَمَلاۤئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ } [البقرة: 98] وقوله تعالى:وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } [الأنفال: 60] وقوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ } [الممتحنة: 1] الآية. وقوله تعالى:فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ } [طه: 39] وقوله تعالى:ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ ٱللَّهِ ٱلنَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ } [فصلت: 28] الآية. إلى غير ذلك من الآيات.

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { فَهُمْ يُوزَعُونَ } أي يرد أولهم إلى آخرهم، ويلحق آخرهم بأولهم، حتى يجتمعوا جميعاً، ثم يدفعون في النار، وهو من قول العرب: وزعت الجيش، إذا حبست أوله على آخره حتى يجتمع.

وأصل الوزع الكف، تقول العرب وزعه، يزعه وزعاً، فهو وازع له، إذا كفه عن الأمر، ومنه قول نابغة ذبيان:
على حين عاتبت المشيب على الصبا   فقلت ألماً أصح والشيب وازع
وقول الآخر:
ولن يزع النفس اللجوج عن الهوى   من الناس إلا وافر العقل كامله
وبما ذكرنا تعلم أن أصل معنى يوزعون. أي يكف أولهم عن التقدم وآخرهم عن التأخر حتى يجتمعوا جميعاً.

وذلك يدل على أنهم يساقون سوقاً عنيفاً، يجمع به أولهم مع آخرهم.

وقد بين تعالى أنهم يساقون إلى النار في حال كونهم عطاشاً في قوله تعالى:وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً } [مريم: 86]، ولعل الوزع المذكور في الآية يكون في الزمرة الواحدة من زمر أهل النار، لأنهم يساقون إلى النار زمراً زمراً كما قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الزمر في الكلام على قوله تعالى:وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً } [الزمر: 71] الآية.