الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ }

قوله تعالى: { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ }.

الصرصر: وزنه بالميزان الصرفي فعفل، وفي معنى الصرصر لعلماء التفسير وجهان معروفان.

أحدهما: أن الريح الصرصر هي الريح العاصفة الشديدة الهبوب، التي يسمع لهبوبها صوت شديد، وعلى هذا فالصرصر من الصرة، التي هي الصيحة المزعجة.

ومنه قوله تعالىفَأَقْبَلَتِ ٱمْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ } [الذاريات: 29] أي في صيحة، ومن هذا المعنى صرير الباب والقلم، أي صوتهما.

الوجه الثاني: أن الصرصر من الصر الذي هو البرد الشديد المحرق، ومنه على أصح التفسيرين قوله تعالى:كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ } [آل عمران: 117] الآية. أي فيها برد شديد محرق، ومنه قول حاتم الطائي:
أوقد فإن الليل ليل قر   والريح يا واقد ريح صرُّ
علَّ يرى نارك من يمر   إن جلبت ضيفاً فأنت حرُّ
فقوله: ريح صر، أي باردة شديدة البرد.

والأظهر أن كلا القولين صحيح، وأن الريح المذكورة. جامعة بين الأمرين، فهي عاصفة شديدة الهبوب، باردة شديدة البرد.

وما ذكره جل وعلا من إهلاكه عاداً بهذه الريح الصرصر، في تلك الأيام النحسات، أي المشؤومات النكدات، لأن النحس ضد السعد، وهو الشؤم جاء موضحاً في آيات من كتاب الله.

وقد بين تعالى في بعضها عدد الأيام والليالي التي أرسل عليهم الريح فيها، كقوله تعالى:وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ } [الحاقة: 6ـ8] وقوله تعالى:وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } [الذاريات: 41ـ42]: وقوله تعالى:إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ } [القمر: 19ـ20] وقوله تعالى:هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } [الأحقاف: 24ـ25] الآية.

وهذه الريح الصرصر هي المراد بصاعقة عاد في قوله تعالى:فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ } [فصلت: 13] الآية.

وقرأ هذا الحرف نافع، وابن كثير، وأبو عمر، نَحْسات، بسكون الحاء، وعليه فالنحس، وصف أو مصدر، نزل منزلة الوصف.

وقرأه ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي، نَحِسات بكسر الحاء ووجهه ظاهر.

قد قدمنا أن معنى النحسات: المشؤومات النكدات.

وقال صاحب الدر المنثور: وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله عز وجل:فِي يَوْمِ نَحْسٍ } [القمر: 19]. قال: النحس، البلاء، والشدة، قال وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت زهير بن أبي سلمى يقول:
سواء عليه أي يوم أتيته   أساعة نحس تتقي أم بأسعد
وتفسير النحس بالبلاء والشدة تفسير بالمعنى، لأن الشؤم بلاء وشدة. ومقابلة زهير النحس بالأسعد في بيته يوضح ذلك، وهو معلوم.

السابقالتالي
2