الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ }

قوله تعالى: { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ }.

الظاهر أن معنى قوله هنا في أربعة أيام: أي في تتمة أربعة أيام.

وتتمة الأربعة حاصلة بيومين فقط، لأنه تعالى قال:قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } [فصلت: 9] ثم قال في أربعة أيام، أي في تتمة أربعة أيام.

ثم قال:فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ } [فصلت: 12] فتضم اليومين إلى الأربعة السابقة، فيكون مجموع الأيام التي خلق فيها السماوات والأرض وما بينهما، ستة أيام.

وهذا التفسير الذي ذكرنا في الآية لا يصح غيره بحال، لأن الله تعالى صرح في آيات متعددة من كتابه بأنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام كقوله في الفرقان:ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً } [الفرقان: 59]. وقوله تعالى في السجدةٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ } [السجدة: 4] الآية. وقوله تعالى في ق.وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } [ق: 38] وقوله تعالى في الأعرافإِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } [الأعراف: 54] الآية. إلى غير ذلك من الآيات.

فلو لم يفسر قوله تعالى { فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ } بأن معناه في تتمة أربعة أيام، لكان المعنى أنه تعالى خلق السماوات والأرض وما بينهما في ثمانية أيام، لأن قوله تعالى: { فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّام } إذا فسر بأنها أربعة كاملة ثم جمعت مع اليومين اللذين خلقت فيهما الأرض المذكورين في قولهقُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ } [فصلت: 9]، واليومين اللذين خلقت فيهما السماوات المذكورين في قوله تعالى:فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ } [فصلت: 12] لكان المجموع ثمانية أيام.

وذلك لم يقل به أحد من المسلمين.

والنصوص القرآنية مصرحة بأنها ستة أيام، فعلم بذلك صحة التفسير الذي ذكرنا وصحة دلالة الآيات القرآنية عليه.

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا } قد قدمنا الكلام على أمثاله من الآيات، في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى:وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ } [النحل: 15] الآية، وقوله تعالى: { وَبَارَكَ فِيهَا } أي أكثر فيها البركات، والبركة الخير، وقوله تعالى { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا }.

التقدير والخلق في لغة العرب معناهما واحد.

والأقوات جمع قوت، والمراد بالأقوات أرزاق أهل الأرض ومعايشهم وما يصلحهم.

وقد ذكرنا في كتابنا دفع إيهام الاضطراب، عن آيات الكتاب:

أن آية فصلت هذه، أعني قوله تعالى: { وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا } يفهم منها الجمع بين الآيات الدالة على أن الأرض خلقت قبل السماء كقوله هنا

السابقالتالي
2 3