الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ }

قد قدمنا أن لفظة جعل، تأتي في اللغة العربية لأربعة معان، ثلاثة منها في القرآن.

الأول: إتيان جعل بمعنى اعتقد، ومنه قوله تعالى:وَجَعَلُواْ ٱلْمَلاَئِكَةَ ٱلَّذِينَ هُمْ عِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنَاثاً } [الزخرف: 19] أي اعتقدوهم إناثاً، ومعلوم أن هذه تنصب المبتدأ والخبر.

الثاني: جعل بمعنى صيَّر، كقوله:حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ } [الأنبياء: 15] وهذه تنصب المبتدأ والخبر أيضاً.

الثالث: جعل بمعنى خلق، كقوله تعالى:ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَاتِ وَٱلنُّورَ } [الأنعام: 1] أي خلق السماوات والأرض وخلق الظلمات والنور.

والظاهر، أن منه قوله هنا: { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ } أي خلق لكم الأنعام، ويؤيد ذلك قوله تعالى:وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ } [النحل: 5]، وقوله:أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً } [يس: 71] الآية.

الرابع: وهو الذي ليس في القرآن جعل بمعنى شرع، ومنه قوله:
وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني   ثوبي فانهض نهض الشارب السَّكِرِ
وما ذكره الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة، من الامتنان بهذه النعم الكثيرة، التي أنعم عليهم بها، بسبب خلقه لهم الأنعام وهي الذكور والإناث، من الإبل والبقر والضأن والمعز، كما قدمنا إيضاحه في سورة آل عمران في الكلام على قوله: والأنعام والحرث بينه أيضاً في مواضع أخر، كقوله تعالى:وَٱلأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَىٰ بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ ٱلأَنفُسِ } [النحل: 5ـ7] والدفء ما يتدفؤون به في الثياب المصنوعة من جلود الأنعام وأوبارها وأشعارها وأصوافها.

وقوله تعالى:جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ } [النحل: 80]. وقوله تعالى:أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ } [يس: 71ـ73] وقوله تعالى:وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } [النحل: 66]. وقوله تعالى:وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } [المؤمنون: 21ـ22]. وقوله تعالى:وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مَّنَ ٱلضَّأْنِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ المَعْزِ اثنَيْنِ } [الأنعام: 142ـ143] إلى قوله تعالى:أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّاكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا } [الأنعام: 144] وقوله تعالى:وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } [الزمر: 6] الآية. وقوله تعالى:جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً } [الشورى: 11] الآية. وقوله تعالى:وَٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْفُلْكِ وَٱلأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ } [الزخرف: 12] الآية، إلى غير ذلك من الآيات.