الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُـمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِيۤ إِلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } * { فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ }

التحقيق الذي لا شك فيه، أن هذا الكلام، من كلام مؤمن آل فرعون الذي ذكر الله عنه، وليس لموسى فيه دخل.

وقوله { فَسَتَذْكُرُونَ مَآ أَقُولُ لَكُـمْ } [غافر: 44]، يعني أنهم يوم القيامة، يعلمون صحة ما كان يقول لهم، ويذكرون نصيحته، فيندمون حيث لا ينفع الندم، والآيات الدالة على مثل هذا من أن الكفار تنكشف لهم يوم القيامة حقائق ما كانوا يكذبون به في الدنيا كثيرة، كقوله تعالى:وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ ٱلْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } [الأنعام: 66ـ67] وقوله تعالى:وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ } [ص: 88]. وقوله تعالى:كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } [النبأ: 4ـ5] وقوله تعالى:كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } [التكاثر: 3ـ4] وقوله تعالى:فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } [ق: 22] إلى غير ذلك من الآيات.

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { وَأُفَوِّضُ أَمْرِيۤ إِلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُوا } دليل واضح على أن التوكل الصادق على أن التوكل الصادق على الله، وتفويض الأمور إليه، سبب للحفظ والوقاية من كل سوء، وقد تقرر في الأصول أن الفاء من حروف التعليل، كقولهم سها فسجد، أي سجد لعلة سهوه، وسرق فقطعت يده، أي لعلة سرقته، كما قدمناه مراراً.

وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من كون التوكل على الله سبباً للحفظ، والوقاية من السوء، جاء مبنياً في آيات أخر، كقوله تعالىوَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } [الطلاق: 3]. وقوله تعالى:ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ } [آل عمران: 173ـ174].

وقد ذكرنا الآيات الدالة على ذلك بكثرة، في أول سورة بني إسرائيل، في الكلام على قوله تعالى:أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً } [الإسراء: 2].

والظاهر أن ما في قوله { سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ } مصدرية، أي فوقاه الله سيئات مكرهم، أي أضرار مكرهم وشدائده، والمكر: الكيد.

فقد دلت هذه الآية الكريمة، على أن فرعون وقومه أرادوا أن يمكروا بهذا المؤمن الكريم وأن الله وقاه، أي حفظه ونجاه، من أضرار مكرهم وشدائده بسبب توكله على الله، وتفويضه أمره إليه.

وبعض العلماء يقول: نجاه الله منهم مع موسى وقومه وبعضهم يقول: صعد جبلاً فأعجزهم الله عنه ونجاه منهم، وكل هذا لا دليل عليه، وغاية ما دل عليه القرآن أن الله وقاه سيئات مكرهم، أي حفظه ونجاه منها.

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: { وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوۤءُ ٱلْعَذَابِ } معناه أنهم لما أرادوا أن يمكروا بهذا المؤمن، وقاه الله مكرهم، ورد العاقبة السيئة عليهم، فرد سوء مكرهم إليهم، فكان المؤمن المذكور ناجياً، في الدنيا والآخرة وكان فرعون وقومه هالكين، في الدنيا والآخرة والبرزخ.

السابقالتالي
2