الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ وَقَدْ جَآءَكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ ٱلَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ }

قوله تعالى: { وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ ٱللَّهُ }.

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أن رجلاً مؤمناً من آل فرعون يكتم إيمانه، أي يخفى عنهم أنه مؤمن، أنكر على فرعون وقومه إرادتهم قتل نبي الله موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، حين قال فرعونذَرُونِيۤ أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } [غافر: 26] الآية. مع أنه لا ذنب له، يستحق به القتل، إلا أنه يقول: ربي الله.

وقد بين في آيات أخر أن من عادة المشركين قتل المسلمين، والتنكيل بهم، وإخراجهم من ديارهم من غير ذنب، إلا أنهم يؤمنون بالله ويقولون: ربنا الله، كقوله تعالى في أصحاب الأخدود، الذين حرقوا المؤمنينقُتِلَ أَصْحَابُ ٱلأُخْدُودِ ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ } [البروج: 4ـ8] وقوله تعالى:أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ٱلَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ } [الحج: 39ـ40]. وقوله تعالى: عن الذين كانوا سحرة لفرعون، وصاروا من خيار المؤمنين، لما هددهم فرعون قائلاًلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } [الأعراف: 124] أنهم أجابوه، بما ذكره الله عنهم، في قوله:قَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا } [الأعراف: 126] إلى غير ذلك من الآيات.

والتحقيق أن الرجل المؤمن المذكور في هذه الآية من جماعة فرعون كما هو ظاهر قوله تعالى: { من آل فرعون }.

فدعوى أنه إسرائيلي، وأن في الكلام تقديماً وتأخيراً. وأن من آل فرعون متعلق بيكتم، أي وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون أي يخفى إيمانه عن فرعون وقومه خلاف التحقيق كما لا يخفى.

وقيل: إن هذا الرجل المؤمن هو الذي قال لموسىإِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَٱخْرُجْ } [القصص: 20] وقيل غيره.

واختلف العلماء في اسمه اختلافاً كثيراً فقيل: اسمه حبيب، وقيل اسمه شمعان، وقيل اسمه حزقيل، وقيل غير ذلك ولا دليل على شيء من ذلك.

والظاهر في إعراب المصدر المنسبك من أن وصلتها في قوله تعالى، في هذه الآية الكريمة، أن يقول ربي الله، أنه مفعول من أجله.

وقال البخاري رحمه الله في صحيحه في تفسير هذه الآية الكريمة: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير قال حدثني محمد بن إبراهيم التيمي حدثني عروة بن الزبير قال قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص أخبرني بأشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله قد جاءكم بالبينات من ربكم ".