الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَن يُنِيبُ }

قوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ }.

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أنه جل وعلا هو الذي يُري خلقه آياته، أي الكونية القدرية ليجعلها علامات لهم على ربوبيته، واستحقاقه العبادة وحده ومن تلك الآيات الليل والنهار والشمس والقمر كما قال تعالى:وَمِنْ آيَاتِهِ ٱللَّيْلُ وَٱلنَّهَارُ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } [فصلت:37] الآية.

ومنها السماوات والأرضون، وما فيهما والنجوم، والرياح والسحاب، والبحار والأنهار، والعيون والجبال والأشجار وآثار قوم هلكوا، كما قال تعالى:إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ } [البقرة: 164] إلى قولهلآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [البقرة: 164]. وقال تعالى:إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } [آل عمران: 190]. وقال تعالى:إِنَّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنَزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [الجاثية: 3ـ5] وقال تعالى:إِنَّ فِي ٱخْتِلاَفِ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ } [يونس: 6].

وما ذكره جل وعلا في آية المؤمن هذه، من أنه هو الذي يُرِي خلقه آياته، بينه وزاده إيضاحاً في غير هذا الموضع، فبين أنه يريهم آياته في الآفاق وفي أنفسهم، وأن مراده بذلك البيان أن يتبين لهم أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم حق، كما قال تعالى:سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } [فصلت: 53].

والآفاق جمع أفق وهو الناحية، والله جل وعلا قد بين من غرائب صنعه، وعجائبه، في نواحي سماواته وأرضه، ما يتبين به لكل عاقل أنه هو الرب المعبود وحده. كما أشرنا إليه، من الشمس والقمر والنجوم والأشجار والجبال، والدواب والبحار، إلى غير ذلك.

وبين أيضاً أن من آياته التي يريهم ولا يمكنهم أن ينكروا شيئاً منها تسخيره لهم الأنعام ليركبوها ويأكلوا من لحومها، وينتفعوا بألبانها، وزبدها وسمنها، وأقطها ويلبسوا من جلودها، وأصوافها وأوبارها وأشعارها، كما قال تعالى:ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ } [غافر: 79ـ81].

وبين في بعض المواضع، أن من آياته التي يريها بعض خلقه، معجزات رسله، لأن المعجزات آيات، أي دلالات، وعلامات على صدق الرسل، كما قال تعالى في فرعونوَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ } [طه: 56] وبين في موضع آخر، أن من آياته التي يريها خلقه، عقوبته المكذبين رسله، كما قال تعالى في قصة إهلاكه قوم لوطوَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَآ آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } [العنكبوت: 35]

وقال في عقوبته فرعون وقومه بالطوفان والجراد والقمل إلخ:فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ آيَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ }

السابقالتالي
2 3