الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَآءَ سَبِيلاً }

قوله تعالى { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } الآية. نهى الله تعالى في هذه الآية الكريمة عن نكاح المرأة التي نكحها الأب، ولم يبين ما المراد بنكاح الأب هل هو العقد أو الوطء، ولكنه بين في موضع آخر أن اسم النكاح يطلق على العقد وحده، وإن لم يحصل مسيس وذلك في قوله تعالىيٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ } الأحزاب 49 فصرح بأنه نكاح وأنه لا مسيس فيه. وقد أجمع العلماء على أن من عقد عليها الأب حرمت على ابنه وإن لم يمسها الأب، وكذلك عقد الابن محرم على الأب إجماعاً، وإن لم يمسها وقد أطلق تعالى النكاح في آية أخرى مريداً به الجماع بعد العقد، وذلك في قولهفَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ } البقرة 230. لأن المراد بالنكاح هنا ليس مجرد العقد، بل لا بد معه من الوطء كما قال صلى الله عليه وسلم لامرأة رفاعة القرظي " لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عُسَيْلتك " يعني الجماع ولا عبرة بما يروى من المخالفة عن سعيد بن المسيب. لوضوح النص الصريح الصحيح في عين المسألة. ومن هنا قال بعض العلماء لفظ النكاح مشترك بين العقد والجماع، وقال بعضهم هو حقيقة في الجماع مجاز في العقد. لأنه سببه وقال بعضهم بالعكس. تنبيه قال بعض العلماء إن لفظة { مَا } النساء 22 من قوله { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ } النساء 22 مصدرية وعليه فقوله { مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } النساء 22 متعلق بقوله { تنْكِحُوا } النساء 22 لا بقوله { نَكَحَ } النساء 22 وتقرير المعنى على هذا القول ولا تنكحوا من النساء نكاح آبائكم أي لا تفعلوا ما كان يفعله آباؤكم من النكاح الفاسد، وهذا القول هو اختيار ابن جرير، والذي يظهر وجزم به غير واحد من المحققين أن { مَا } النساء 22 موصولة واقعة على النساء التي نكحها الآباء، كقوله تعالىفَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآء } النساء 3 وقد قدمنا وجه ذلك. لأنهم كانوا ينكحون نساء آبائهم كما يدل له سبب النزول، فقد نقل ابن كثير عن أبي حاتم أن سبب نزولها. أنه لما توفي أبو قيس بن الأسلت خطب ابنه امرأته، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال ارجعي إلى بيتك فنزلت { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ } النساء 22 الآية. قال مقيده - عفا الله عنه - نكاح زوجات الآباء كان معروفاً عند العرب، وممن فعل ذلك أبو قيس بن الأسلت المذكور، فقد تزوج أم عبيد الله وكانت تحت الأسلت أبيه، وتزوج الأسود بن خلف ابنة أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار وكانت تحت أبيه خلف، وتزوج صفوان بن أمية فاختة ابنة الأسود بن المطلب بن أسد.

السابقالتالي
2