الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ ٱنتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا ٱللَّهُ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً }

قوله تعالى { يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ }. هذا الغلو الذي نهوا عنه هو وقول غير الحق هو قول بعضهم إن عيسى ابن الله، وقول بعضهم هو الله، وقول بعضهم هو إله مع الله سبحانه وتعالى عن ذلك كله علواً كبيراً كما بينه قوله تعالىوَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ } التوبة 30 وقولهلَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَآلُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ } المائدة 17 وقولهلَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } المائدة 73 وأشار هنا إلى إبطال هذه المفتريات بقوله { إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ } النساء 171 الآية، وقولهلَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً للَّهِ } النساء 172 الآية، وقولهمَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَام } المائدة 75. وقولهقُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } المائدة 17. وقال بعض العلماء يدخل في الغلو وغير الحق المنهي عنه في هذه الآية ما قالوا من البهتان على مريم أيضاً واعتمده القرطبي وعليه فيكون الغلو المنهي عنه شاملاً للتفريط والإفراط. وقد قرر العلماء أن الحق واسطة بين التفريط والإفراط وهو معنى قول مطرف بن عبد الله الحسنة بين سيئتين وبه تعلم أن من جانب التفريط والإفراط فقد اهتدى ولقد أجاد من قال
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد كلا طرفي قصد الأمور ذميم   
وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى، وقولوا عبد الله ورسوله ". قوله تعالى { وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ }. ليست لفظة من في هذه الآية للتبعيض، كما يزعمه النصارى افتراء على الله، ولكن من هنا لابتداء الغاية، يعني أن مبدأ ذلك الروح الذي ولد به عيسى حياً من الله تعالى. لأنه هو الذي أحياه به، ويدل على أن من هنا لابتداء الغاية. قوله تعالىوَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ } الجاثية 13 أي كائناً مبدأ ذلك كله منه جلَّ وعلا ويدل لما ذكرنا ما روي عن أبي بن كعب أنه قال " خلق الله أرواح بني آدم لما أخذ عليهم الميثاق، ثم ردها إلى صلب آدم، وأمسك عنده روح عيسى عليه الصلاة والسلام. فلما أراد خلقه أرسل ذلك الروح إلى مريم، فكان منه عيسى عليه السلام " وهذه الإضافة للتفضيل. لأن جميع الأرواح من خلقه جل وعلا كقولهوَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِين } الحج 26. وقولهنَاقَةُ ٱللَّهِ } الأعراف 73 الآية. وقيل قد يسمى من تظهر منه الأشياء العجيبة روحاً ويضاف إلى الله، فيقال هذا روح من الله أي من خلقه، وكان عيسى يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، فاستحق هذا الاسم، وقيل سمي روحاً بسبب نفخة جبريل عليه السلام المذكورة في سورة الأنبياء والتحريم، والعرب تسمي النفخ روحاً.

السابقالتالي
2