الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي ٱلنِّسَآءِ قُلِ ٱللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ فِي يَتَٰمَى ٱلنِّسَآءِ ٱلَّٰتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلْوِلْدَٰنِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً }

قوله تعالى { وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَابِ فِي يَتَامَى ٱلنِّسَآءِ } الآية. لم يبين هنا هذا الذي يتلى عليهم في الكتاب ما هو، ولكنه بينه في أول السورة وهو قوله تعالىوَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ } النساء 3 الآية. كما قدمناه عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - فقوله هنا { وَمَا يُتْلَىٰ } النساء 127 في محل رفع معطوفاً على الفاعل الذي هو لفظ الجلالة، وتقرير المعنى قل الله يفتيكم فيهن، ويفتيكم فيهن أيضاً { وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَابِ فِي يَتَامَى ٱلنِّسَآءِ } النساء 127 الآية. وذلك قوله تعالىوَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي ٱلْيَتَامَىٰ } النساء 103 الآية. ومضمون ما أفتى به هذا الذي يتلى علينا في الكتاب هو تحريم هضم حقوق اليتيمات فمن خاف أن لا يقسط في اليتيمة التي في حجره فليتركها ولينكح ما طاب له سواها، وهذا هو التحقيق في معنى الآية كما قدمنا، وعليه فحرف الجر المحذوف في قوله { وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ } النساء 127 هو عن أي ترغبون عن نكاحهن لقلة مالهن وجمالهن. أي كما أنكم ترغبون عن نكاحهن إن كن قليلات مال وجمال فلا يحل لكم نكاحهن إن كن ذوات مال وجمال إلا بالإقساط إليهن في حقوقهن كما تقدم عن عائشة - رضي الله عنها. وقال بعض العلماء الحرف المحذوف هو في أي ترغبون في نكاحهن إن كن متصفات بالجمال وكثرة المال مع أنكم لا تقسطون فيهن، والذين قالوا بالمجاز واختلفوا في جواز حمل اللفظ على حقيقته ومجازه معاً أجازوا ذلك في المجاز العقلي كقولك أغناني زيد وعطاؤه، فإسناد الإغناء إلى زيد حقيقة عقلية، وإسناده إلى العطاء مجاز عقلي فجاز جمعها، وكذلك إسناد الإفتاء إلى الله حقيقي، وإسناده إلى ما يتلى مجاز عقلي عندهم. لأنه سببه فيجوز جمعهما. وقال بعض العلماء إن قوله { وَمَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } النساء 127 في محل جر معطوفاً على الضمير، وعليه فتقرير المعنى قل الله يفتيكم فيهن ويفتيكم فيما يتلى عليكم وهذا الوجه يضعفه أمران الأول أن الغالب أن الله يفتي بما يتلى في هذا الكتاب، ولا يفتي فيه لظهور أمره. الثاني أن العطف على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض ضعفه غير واحد من علماء العربية، وأجازه ابن مالك مستدلاً بقراءة حمزة، والأرحام بالفخض عطفاً على الضمير من قوله تساءلون به، وبوروده في الشعر كقوله
فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا فاذهب فما بك والأيام من عجب   
بجر الأيام عطفاً على الكاف، ونظيره قول الآخر
نعلق في مثل السواري سيوفنا وما بينها والكعب مهوى نفانف   
بجر الكعب معطوفاً على الضمير قبله، وقول الآخر
وقد رام آفاق السماء فلم يجد له مصعداً فيها ولا الأرض مقعدا   

السابقالتالي
2 3