الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ ٱلثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

قوله تعالى { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِي ۤ أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ }. لم يبين هنا حكمة تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث مع أنهما سواء في القرابة. ولكنه أشار إلى ذلك في موضع آخر وهو قوله تعالىٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ } النساء 34 لأن القائم على غيره المنفق ماله عليه مترقّب للنقص دائماً، و المَقُوم عليه المنفق عليه المال مترقب للزيادة دائماً، والحكمة في إيثار مترقّب النقص على مترقّب الزيادة جبراً لنقصة المترقّب ظاهرة جِداً. قوله تعالى { فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ } الآية. صرح تعالى في هذه الآية الكريمة بأنَّ البنات إن كن ثلاثاً فصاعداً، فلهن الثلثان وقوله { فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ } يوهم أن الاثنتين ليستا كذلك، وصرح بأن الواحدة لها النصف، ويفهم منه أن الاثنتين ليستا كذلك أيضاً، وعليه ففي دلالة الآية على قدر ميراث البنتين إجمال. وقد أشار تعالى في موضعين إلى أن هذا الظرف لا مفهوم مخالفة له، وأن للبنتين الثلثين أيضاً. الأول قوله تعالى { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ } النساء 11 إذ الذكر يرِث مع الواحدة الثلثين بلا نزاع، فلا بد أن يكون للبنتين الثلثان في صورة، وإلا لم يكن للذكر مثل حظّ الأنثيين. لأن الثلثين ليسا بحظّ لهما أصلاً، لكن تلك الصورة ليست صورة الاجتماع، إذ ما من صورة يجتمع فيها الابنتان مع الذكر ويكون لهما الثلثان، فتعين أن تكون صورة انفرادهما عن الذكر. واعتراض بعضهم هذا الاستدلال بلزوم الدور قائلاً إن معرفة أن للذكر الثلثين في الصورة المذكورة تتوقف على معرفة حَظّ الأنثيين. لأنه ما علم من الآية إلا أن للذكر مثل حظّ الأنثيين. فلو كانت معرفة حظّ الأنثيين مستخرجة من حظّ الذكر لزم الدور ساقط. لأن المستخرج هو الحظّ المعين للأنثيين وهو الثلثان، و الذي يتوقّف عليه معرفة حظّ الذكر هو معرفة حظّ الأنثيين مطلقاً، فلا دور لانفكاك الجهة. واعترضه بعضهم أيضاً بأن للابن مع البنتين النصف، فيدل على أن فرضهما النصف، ويؤيد الأول أن البنتين لما استحقّتا مع الذكر النصف عُلم أنهما إن انفردتا عنه، استحقتا أكثر من ذلك. لأن الواحدة إذا انفردت أخذت النصف، بعدما كانت معه تأخذ الثلث، ويزيده إيضاحاً أن البنت تأخذ مع الابن الذكر الثلث بلا نزاع، فلأن تأخذه مع الابنة الأنثى أَوْلَى. فبهذا يظهر أنهُ جل وعلا، أشار إلى ميراث البنتين بقوله { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ } النساء 11 كما بينا، ثم ذكر حكم الجماعة من البنات، وحكم الواحدة منهن بقوله { فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ } النساء 11 ومما يزيده إيضاحاً، أنَّه تعالى فرعه عليه بالفاء في قوله { فَإِنْ كُنَّ } إذ لو لم يكن فيما قبله ما يدل على سهم الإناث لم تقع الفاء موقعها كما هو ظاهر.

السابقالتالي
2 3