الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْـلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَـادٍ }

قوله تعالى: { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ }.

قد قدمنا الآيات الموضحة له، في سورة الأنفال، في الكلام على قوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [الأنفال: 64] وعلى قراءة الجمهور بكاف عبده، بفتح العين وسكون الباء، بإفراد العبد، والمراد به، النبي صلى الله عليه وسلم. كقوله:فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ } [البقرة: 137] وقوله تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّه } [الأنفال: 64] الآية.

وأما على قراءة حمزة والكسائي عِبادَهُ بكسر العين وفتح الباء بعدها ألف على أنه جمع عبد، فالظاهر أنه يشمل عباده الصالحين من الأنبياء وأتباعهم.

قوله تعالى: { وَيُخَوِّفُونَكَ بِٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ }.

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أن الكفار عبدة الأوثان، يخوفون النبي صلى الله عليه وسلم، بالأوثان التي يعبدونها من دون الله، لأنهم يقولون له: إنها ستضره وتخبله، وهذه عادة عبدة الأوثان لعنهم الله، يخوفون الرسل بالأوثان ويزعمون أنها ستضرهم وتصل إليهم بالسوء.

ومعلوم أن أنبياء الله عليهم صلوات الله وسلامه، لا يخافون غير الله ولا سيما الأوثان، التي لا تسمع ولا تبصر، ولا تضر ولا تنفع، ولذا قال تعالى عن نبيه إبراهيم لما خوَّفوه بهاوَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ } [الأنعام: 81] الآية.

وقال عن نبيه هود وما ذكره له قومه من ذلكإِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ قَالَ إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهِ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [هود: 54ـ56].

وقال تعالى في هذه السورة الكريمة، مخاطباً نبينا صلى الله عليه وسلم، بعد أن ذكر تخويفهم له بأصنامهموَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } [الزمر: 38].

ومعلوم أن الخوف من تلك الأصنام من أشنع أنواع الكفر والإشراك بالله.

وقد بين جل وعلا في موضع آخر، أن الشيطان يخوف المؤمنين أيضاً، الذين هم أتباع الرسل من أتباعه وأوليائه من الكفار، كما قال تعالى:إِنَّمَا ذٰلِكُمُ ٱلشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [آل عمران: 175].

والأظهر أن قوله { يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ } حذف فيه المفعول الأول، أي يخوفكم أولياءه، بدليل قوله بعده: { فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ } الآية.