الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ }

قوله تعالى: { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ } الآية.

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن ما يفتحه للناس من رحمته وإنعامه عليهم بجميع أنواع النعم، لا يقدر أحد كائناً من كان أن يمسكه عنهم، وما يمسكه عنهم من رحمته وإنعامه لا يقدر أحد كائناً من كان أن يرسله إليهم، وهذا معلوم بالضرورة من الدِّين، والرحمة المذكورة في الآية عامّة في كل ما يرحم الله به خلقه من الإنعام الدنيوي والأخروي، كفتحه لهم رحمة المطر، كما قال تعالى:فَٱنظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَةِ ٱللَّهِ كَيْفَ يُحْيِيِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ } [الروم: 50].

وقوله تعالى:وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } [الأعراف: 57]. وقوله تعالى:وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ } [الشورى: 28] الآية، ومن رحمته إرسال الرسل، وإنزال الكتب كقوله تعالى:وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ } [القصص: 86] كما تقدّم إيضاحه في سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى:فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَآ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً } [الكهف: 65] الآية.

وما تضمنّته هذه الآية الكريمة جاء موضحاً في آيات كثيرة كقوله تعالى:وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ } [يونس: 107]. وقوله تعالى:قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً } [الفتح: 11] الآية. وقوله تعالى:قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوۤءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً } [الأحزاب: 17] الآية إلى غير ذلك من الآيات.

وقد قدّمنا بعض الكلام على هذا في سورة الأنعام في الكلام على قوله تعالى:وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } [الأنعام: 17] و (ما) في قوله تعالى: { مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ } وقوله: (ومَا يُمْسِكْ) شرطيّة، وفتح الشيء التمكين منه وإزالة الحواجز دونه والإمساك بخلاف ذلك.