الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ }

قوله تعالى: { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً }.

بيّن جلّ وعلا في هذه الآية الكريمة: أنّ من كان يريد العزّة فإنها جميعها لله وحده، فليطلبها منه وليتسبب لنيلها بطاعته جل وعلا، فإنّ من أطاعة أعطاه العزّة في الدنيا والآخرة، أما الذين يعبدون الأصنام لينالوا العزّة بعبادتها، والذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، يبتغون عندهم العزّة، فإنهم في ضلال وعمى عن الحق، لأنهم يطلبون العزّة من محلّ الذّل.

وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحاً في آيات من كتاب الله تعالى كقوله تعالى:وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُمْ عِزّاً كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } [مريم: 81ـ82] وقوله تعالى:ٱلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ ٱلْعِزَّةَ فَإِنَّ ٱلعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً } [النساء: 139] وقوله تعالى:وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } [يونس: 65]. وقوله تعالى:يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ } [المنافقون: 8] الآية وقوله تعالى:سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } [الصافات: 180] والعزّة: الغلبة والقوة، ومنه قول الخنساء:
كأن لم يكونوا حمى يختشى   إذ الناس إذ ذاك من عزيزا
أي من غلب استلب، ومنه قوله تعالى:وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } [ص: 23] أي غلبني وقوي عليّ في الخصومة.

وقول من قال من أهل العلم: إن معنى الآية: { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّة } أي يريد أن يعلم لمن العزة، أصوب منه ما ذكرنا. والعلم عند الله تعالى.

قوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } الآية.

قد تقدّم بعض الكلام عليه في سورة النحل مع إعراب السيئات.

وقد قدمنا في مواضع أخر أن من مكرهم السيئات كفرهم بالله وأمرهم أتباعهم به، كما قال تعالى:وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ بَلْ مَكْرُ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ أَن نَّكْفُرَ بِٱللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً } [سبأ: 33] وكقوله تعالى:وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } [نوح: 22ـ23] العلم عند الله تعالى.