الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ }

قوله تعالى: { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ }.

ما دلت عليه هذه الآية الكريمة من توبيخ الكفار، وتقريعهم على عدم تفكرهم ونظرهم إلى ما بين أيديهم، وما خلفهم من السماء والأرض، ليستدلوا بذلك على كمال قدرة الله على البعث، وعلى كل شيء، وأنه هو المعبود وحده جاء موضحاً في مواضع أخر، كقوله تعالى:أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ } [ق: 6ـ8]أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمَ } [الأعراف: 185]. وقوله تعالى:وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } [يوسف: 105]، والآيات بمثل ذلك كثيرة معروفة.

وقال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: قال عبد بن حيمد، أخبرنا عبد الرزاق، عن معمر عن قتادة: { أَفَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } قال: إنك إن نظرت عن يمينك، أو عن شمالك أو من بين يديك أو من خلفك، رأيت السماء والأرض.

قوله تعالى: { إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ ٱلأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ }.

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أمرين:

أحدهما: أنه إن شاء خسف الأرض بالكفار، خسفها بهم لقدرته على ذلك.

والثاني: أنه إن شاء أن يسقط عليهم كسفاً من السماء فعل ذلك أيضاً لقدرته عليه.

أما الأول الذي هو أنّه لو شاء أن يخسف بهم الأرض لفعل، فقد ذكره تعالى في غير هذا الموضع كقوله تعالى:أَأَمِنتُمْ مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } [الملك: 16]، وقوله تعالى:أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ ٱلْبَرِّ } [الإسراء: 68] الآية. وقوله تعالى:لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا } [القصص: 82]، وقوله تعالى في الأنعام:أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } [الأنعام: 65] الآية.

وقوله هنا: { أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } قد بيّنا في سورة بني إسرائيل أنه هو المراد بقوله تعالى عن الكفار:أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً } [الإسراء: 92] الآية. وقرأه حمزة والكسائي: إن يشأ يخسف بهم الأرض، أو يسقط عليهم كسفاً من السماء بالياء المثناة التحتية في الأفعال الثلاثة. أعني يشأ. ويخسف. ويسقط، وعلى هذه القراءة فالفاعل ضمير يعود إلى الله تعالى أي إن يشأ هو أي الله يخسف بهم الأرض، وقرأ الباقون بالنون الدالة على العظمة في الأفعال الثلاثة أي إن نشأ نحن إلخ. وقرأ حفص عن عاصم: كسفاً بفتح السين، والباقون بسكونها والكسف بفتح السين القطع، والكسف بسكون السين واحدها.