الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلْغَفُورُ }

بيّن جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أنّه يعلم ما يلج في الأرض، أي ما يدخل فيها كالماء النازل من السماء، الذي يلج في الأرض، كما أوضحه بقوله تعالى:أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي ٱلأَرْضِ } [الزمر: 21] الآية.

وقوله:وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي ٱلأَرْضِ } [المؤمنون: 18] الآية، فهو جل وعلا، يعلم عدد القطر النازل من السماء إلى الأرض، وكيف لا يعلمه من خلقه:أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [الملك: 14] ويعلم أيضاً ما يلج في الأرض من الموتى الذين يُدفنون فيها، كما قال جل وعلامِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } [طه: 55] وقال:أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً أَحْيَآءً وَأَمْواتاً } [المرسلات: 25ـ26] والكفات من الكفت: وهو الضم، لأنها تضمّهم أحياء على ظهرها، وأمواتاً في بطنها، ويعلم ما يلج في الأرض من البذر كما قال تعالى:وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [الأنعام: 59]. وكذلك ما في بطنها من المعادن وغير ذلك.

قوله: { وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا } أي من الأرض كالنبات، والحبوب والمعادن، والكنوز، والدفائن وغير ذلك، ويعلم ما ينزل من السماء من المطر، والثلج، والبرد، والرزق وغير ذلك، وما يعرج: أي يصعد فيها أي السماء كالأعمال الصالحة، كما بينه بقوله:إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [فاطر: 10] وكأرواح المؤمنين وغير ذلك كما قال تعالى:تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } [المعارج: 4] الآية.

وقال تعالى:يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } [السجدة: 5] وما ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة من أنه يعلم جميع ما ذكره في سورة الحديد في قوله:يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [الحديد: 4].

وقد أوضحنا الآيات الدالة على كمال إحاطة علم الله بكل شيء في أول سورة هود، في الكلام على قوله تعالى:أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ } [هود: 5] الآية، وفي مواضع أخر متعددة.