الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَٱللَّهُ يَقُولُ ٱلْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ }

قوله تعالى: { وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ }.

في هذا الحرف أربع قراءات سبعية: قرأه عاصم وحده: تظاهرون بضم التاء وتخفيف الظاء بعدها ألف فهاء مكسورة مخففة، وقرأه حمزة والكسائي: تظاهرون بفتح التاء بعدها ظاء مفتوحة مخففة، فألف فهاء مفتوحة مخففة، وقرأه ابن عامر: وحده كقراءة حمزة والكسائي: إلا أن ابن عامر يشدد الظاء، وهما يخففانها، وقرأه نافع وابن كثير، وأبو عمرو: تظهرون بفتح التاء بعدها ظاء فهاء مفتوحتان مشددتان بدون ألف، فقوله تعالى: تظاهرون، على قراءة عاصم مضارع ظاهر بوزن فاعل، وعلى قراءة حمزة، والكسائي فهو مضارع تظاهر بوزن تفاعل حذفت فيه إحدى التاءين على حد قوله في الخلاصة:
وما بتاءين ابتدى قد يقتصر   فيه على تاكتبين العبر
فالأصل على قراءة الأخوين تتظاهرون، فحذفت إحدى التاءين وعلى قراءة ابن عامر، فهو مضارع تظاهر أيضاً، كقراءة حمزة والكسائي، إلا أن إحدى التاءين، أدغمت في الظاء، ولم تحذف وماضيه اظاهر كادارك، واثاقلتم، وادارأتم، بمعنى تدارك. إلخ.

وعلى قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو فهو مضارع تظهر على وزن تفعل، وأصله تتظهرون بتاءين، فأدغمت إحدى التاءين في الظاء، وماضيه: اظهر نحو اطيرنا وازينت بمعنى: تطيرنا، وتزينت، كما قدمنا إيضاحه في سورة طه في الكلام على قوله تعالى:فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } [الأعراف: 117] و [الشعراء: 45] فعلم مما ذكرنا أن قولهم ظاهر من امرأته، وتظاهر منها، وتظهر منها كلها بمعنى واحد، وهو أن يقول لها: أنت علي كظهر أمي، يعني أنها حرام عليه، وكانوا يطلقون بهذه الصيغة في الجاهلية.

وقد بين الله جل وعلا في قوله هنا: { وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ } ، أن من قال لامرأته: أنت عليَّ كظهر أمي: لا تكون أماً له بذلك، ولم يزد هنا على ذلك، ولكنه جل وعلا أوضح هذا في سورة المجادلة، فبين أن أزواجهم اللائي ظاهروا منهم لسن أمهاتهم، وأن أمهاتهم هن النساء التي ولدنهم خاصة دون غيرهن، وأن قولهم: أنت عليَّ كظهر أمي منكر من القول وزور.

وقد بين الكفارة اللازمة في ذلك عند العود وذلك في قوله تعالى:الَّذين يُظَاهِرُونَ مِنكُمْ مِّن نِّسَآئِهِمْ مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ ٱلْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمُ } [المجادلة: 2ـ4].

فقوله تعالى في آية الأحزاب هذه: { وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ } كقوله تعالى في سورة المجادلة:

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد