قوله تعالى: وعد الله، مصدر مؤكد لنفسه، لأن قوله قبله:{ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ } [الروم: 3] إلى قوله:{ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ ٱللَّهِ } [الروم: 4ـ5] هو نفس الوعد كما لا يخفى، أي وعد الله ذلك وعداً. وقد ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أربعة أمور: الأول: أنه لا يخلف وعده. والثاني: أن أكثر الناس وهم الكفار لا يعلمون. والثالث: أنهم يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا. والرابع: أنهم غافلون عن الآخرة. وهذه الأمور الأربعة جاءت موضحة في غير هذا الموضع. أما الأول منها: وهو كونه لا يخلف وعده، فقد جاء في آيات كثيرة كقوله تعالى:{ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ } [الرعد: 31] وقد بين تعالى أن وعيده للكفار لا يخلف أيضاً في آيات من كتابه كقوله تعالى:{ قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ ٱلْقَوْلُ لَدَيَّ } [ق: 28ـ29] الآية. والتحقيق: أن القول الذي لا يبدل لديه في هذه الآية الكريمة، هو وعيده للكفار. وكقوله تعالى:{ كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ } [ق: 14] وقوله:{ إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ ٱلرٌّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ } [ص: 14]، فقوله: حق في هاتين الآيتين. أي وجب وثبت، فلا يمكن تخلفه بحال. وأما الثاني منها: وهو أن أكثر الناس وهم الكفار لا يعملون، فقد جاء موضحاً في آيات كثيرة، فقد بين تعالى في آيات أن أكثر الناس هم الكافرون كقوله تعالى:{ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } [هود: 17]. وقوله تعالى:{ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ ٱلأَوَّلِينَ } [الصافات: 71]، وقوله تعالى:{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } [الشعراء: 8 ـ67ـ103ـ139ـ158ـ174-190]. وقوله تعالى:{ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [الأنعام: 116]، وقوله تعالى:{ وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [يوسف: 103] إلى غير ذلك من الآيات. وقد بين جل وعلا أيضاً في آيات من كتابه أن الكفار لا يعلمون كقوله تعالى:{ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } [البقرة: 170]. وقوله تعالى:{ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } [المائدة: 104]، وقوله تعالى:{ وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَآءً وَنِدَآءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } [البقرة: 171]، وقوله تعالى:{ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } [الفرقان: 44] وقوله تعالى:{ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ } [الأعراف: 179]، وقوله تعالى:{ وَقَالُواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِيۤ أَصْحَابِ ٱلسَّعِيرِ } [الملك: 10] إلى غير ذلك من الآيات. وأما الثالث منها: وهو كونهم يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا، فقد جاء أيضاً في غير هذا الموضع كقوله تعالى: