الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ فِيهِ ءَايَٰتٌ بَيِّنَـٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ }

قوله تعالى { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ }. صرح في هذه الآية، أنه غني عن خلقه، وأن كفر من كفر منهم لا يضره شيئاً، وبين هذا المعنى في مواضع متعددة، كقوله عن نبيه موسىوَقَالَ مُوسَىۤ إِن تَكْفُرُوۤاْ أَنتُمْ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ } إبراهيم 8 وقولهإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ } الزمر 7 وقولهفَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ وَّٱسْتَغْنَىٰ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } التغابن 6 وقولهقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ } يونس 68 إلى غير ذلك من الآيات، فالله تبارك وتعالى يأمر الخلق وينهاهم. لا لأنه تضره معصيتهم ولا تنفعه طاعتهم، بل نفع طاعتهم لهم وضرر معصيتهم عليهم، كما قال تعالىإِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } الإسراء 7 وقالمَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } فصلت 46 وقاليٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } فاطر 15. وثبت في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه أنه قال " يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً " الحديث. تنبيه قوله تعالى { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } آل عمران 97 بعد قوله { وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } آل عمران 97 يدل على أن من لم يحج كافر والله غني عنه. وفي المراد يقوله { وَمَن كَفَرَ } أوجه للعلماء. الأول أن المراد بقوله { وَمَن كَفَرَ } أي ومن جحد فريضة الحج، فقد كفر والله غني عنه، وبه قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد، قاله ابن كثير. ويدل لهذا الوجه ما روي عن عكرمة ومجاهد من أنهما قالا لما نزلتوَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } آل عمران 85 قالت اليهود فنحن مسلمون. فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم " إن الله فرض على المسلمين حج البيت من استطاع إليه سبيلاً " فقالوا لم يكتب علينا، وأبو أن يحجوا " قال الله تعالى { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } آل عمران 97. الوجه الثاني أن المراد بقوله { وَمَن كَفَرَ } أي ومن لم يحج على سبيل التغليظ البالغ في الزجر عن ترك الحج مع الاستطاعة كقوله للمقداد الثّابت في الصحيحين حين سأله عن قتل من أسلم من الكفار بعد أن قطع يده في الحرب " لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول الكلمة التي قال "

السابقالتالي
2