الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاءَ ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱلرَّاسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ }

قوله تعالى { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱللَّهُ }. يحتمل أن المراد بالتأويل في هذه الآية الكريمة التفسير وإدراك المعنى، ويحتمل أن المراد به حقيقة أمره التي يؤول إليها وقد قدمنا في مقدمة هذا الكتاب أن من أنواع البيان التي ذكرناها فيه أن كون أحد الاحتمالين هو الغالب في القرآن. يبين أن ذلك الاحتمال الغالب هو المراد. لأن الحمل على الأغلب أولى من الحمل على غيره. وإذا عرفت ذلك فاعلم أن الغالب في القرآن إطلاق التأويل على حقيقة الأمر التي يؤول إليها كقولههَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ } يوسف 100 وقولههَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ } الأعراف 53 الآية. وقولهبَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ } يونس 39 وقولهذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } النساء 59 إلى غير ذلك من الآيات. قال ابن جرير الطبري وأصل التأويل من آل الشيء إلى كذا إذا صار إليه ورجع يؤول أولا، وأولته أنا صيرته إليه، وقال وقد أنشد بعض الرواة بيت الأعشى
على أنها كانت تأول حبها تأول ربعي السقاب فأصحبا   
قال ويعني بقوله تأول حبها مصير حبها، ومرجعه وإنما يريد بذلك أن حبها كان صغيراً في قلبه فآل من الصغر إلى العظم، فلم يزل ينبت حتى أصحب فصار قديماً كالسقب الصغير الذي لم يزل يشب حتى أصحب، فصار كبيراً مثل أمه. قال وقد ينشد هذا البيت
على أنها كانت توابع حبها توالي ربعي السقاب فأصحبا اهـ   
وعليه فلا شاهد فيه، والربعي السقب. الذي ولد في أول النتاج ومعنى أصحب انقاد لكل من يقوده، ومنه قول امرئ القيس
ولست بذي رثية إمر إذا قيد مستكرهاً أصحبا   
والرثية وجع المفاصل. والإمر بكسر الهمزة وتشديد الميم مفتوحة بعدها راء هو الذي يأتمر لكل أحد. لضعفه وأنشد بيت الأعشى المذكور الأزهري وصاحب اللسان
ولكنها كانت نوى أجنبية توالى ربعي السقاب فأصحبا   
وأطالا في شرحه وعليه فلا شاهد فيه أيضاً. تنبيه اعلم أن التأويل يطلق ثلاثة إطلاقات الأول هو ما ذكرنا من أنه الحقيقة التي يؤول إليها الأمر، وهذا هو معناه في القرآن. الثاني يراد به التفسير والبيان، ومنه بهذا المعنى " قوله صلى الله عليه وسلم في ابن عباس " اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل " وقول ابن جرير وغيره من العلماء، القول في تأويل قوله تعالى كذا أي تفسيره وبيانه. وقول عائشة الثابت في الصحيح " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي " يتأول القرآن تعني يمتثله ويعمل به، والله تعالى أعلم. الثالث هو معناه المتعارف في اصطلاح الأصوليين، وهو صرف اللفظ عن ظاهره المتبادر منه إلى محتمل مرجوح بدليل يدل على ذلك، وحاصل تحرير مسالة التأويل عند أهل الأصول أنه لا يخلو من واحدة من ثلاث حالات بالتقسيم الصحيح الأولى أن يكون صرف اللفظ عن ظاهره بدليل صحيح في نفس الأمر يدل على ذلك، وهذا هو التأويل المسمى عندهم بالتأويل الصحيح، والتأويل القريب كقوله صلى الله عليه وسلم الثابت في الصحيح

السابقالتالي
2 3 4 5 6