قوله تعالى { وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ } الآية. هذه الآية الكريمة على قراءة من قرأ { قَاتَلَ } بالبناء للمفعول يحتمل نائب الفاعل فيها أن يكون لفظة ربيون وعليه فليس في قتل ضمير أصلاً ويحتمل أن يكون نائب الفاعل ضميراً عائداً إلى النَّبي، وعليه فمعه خبر مقدم وربيون مبتدأ مؤخر سوغ الابتداء به اعتماده على الظرف قبله ووصفه بما بعده والجملة حالية والرابط الضمير وسوغ إتيان الحال من النكرة التي هي نبي وصفه بالقتل ظلماً وهذا هو أجود الأعاريب المذكورة في الآية على هذا القول، وبهذين الاحتمالين في نائب الفاعل المذكور يظهر أن في الآية إجمالاً. والآيات القرآنية مبينة أن النَّبي المقاتل غير مغلوب بل هو غالب كما صرح تعالى بذلك في قوله{ كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ } المجادلة 21. وقال قبل هذا{ أُوْلَـٰئِكَ فِي ٱلأَذَلِّينَ } المجادلة 20 وقال بعده{ إِنَّ اللهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ } المجادلة 21. وأغلب معاني الغلبة في القرآن الغلبة بالسيف والسنان كقوله{ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفاً مِّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } الأنفال 65 الآية. وقوله{ فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفَيْنِ } الأنفال 66 وقوله{ الۤـمۤ غُلِبَتِ ٱلرُّومُ فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ } الروم 1-4 وقوله{ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةٍ كَثِيرَةً } البقرة 249 وقوله{ قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ } آل عمران 12 إلى غير ذلك من الآيات. وبين تعالى أن المقتول ليس بغالب بل هو قسم مقابل للغالب بقوله{ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ } النساء 74 فاتضح من هذه الآيات أن القتل ليس واقعاً على النَّبي المقاتل. لأن الله كتب وقضى له في أزله أنه غالب وصرح بأن المقتول غير غالب. وقد حقق العلماء أن غلبة الأنبياء على قسمين، غلبة بالحجة والبيان، وهي ثابتة لجميعهم، وغلبة بالسيف والسنان، وهي ثابتة لخصوص الذين أمروا منهم بالقتال في سبيل الله. لأن من لم يؤمر بالقتال ليس بغالب ولا مغلوب. لأنه لم يغالب في شيء وتصريحه تعالى، بأنه كتب أن رسله غالبون شامل لغلبتهم من غالبهم بالسيف، كما بينا أن ذلك هو معنى الغلبة في القرآن، وشامل أيضاً لغلبتهم بالحجة والبيان، فهو مبين أن نصر الرسل المذكور في قوله{ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا } غافر 51 الآية وفي قوله{ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ } الصافات 171-172 أنه نصر غلبة بالسيف والسنان للذين أمروا منهم بالجهاد. لأن الغلبة التي بين أنها كتبها لهم أخص من مطلق النصر. لأنها نصر خاص، والغلبة لغة القهر والنصر لغة إعانة المظلوم، فيجب بيان هذا الأعم بذلك الأخص. وبهذا تعلم أن ما قاله الإمام الكبير ابن جرير - رحمه الله - ومن تبعه في تفسير قوله { إِنَّا لَنَنصُرُ } الآية.