الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ }

تقدم إيضاحه بالآيات القرآنية في أول سورة هود في الكلام على قوله تعالى:أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [هود: 5] وقوله: { أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ }. الآية كقوله تعالى:لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } [فصلت: 37] وقوله تعالى:فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ } [النجم: 62] وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة { ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ } وقال بعض أهل العلم: الخبأ في السموات: المطر، والخبأ في الأرض: النبات، والمعادن، والكنوز، وهذا المعنى ملائم لقوله: { يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ } وقال بعض أهل العلم: الخبأ: السر والغيب أي يعلم ما غاب في السموات، والأرض، كما يدل عليه قوله بعده { وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } وكقوله في هذه السورة الكريمة:وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [النمل: 75] وقولهوَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } [يونس: 61] كما أوضحناه في سورة هود، وقرأ هذا الحرف عامة القراء السبعة غير الكسائي: ألا يسجدوا لله بتشديد اللام في لفظه ألا، ولا خلاف على هذه القراءة أن يسجدوا فعل مضارع منصوب بأن المدغمة في لفظه لا، فالفعل المضارع على هذه القراءة، وأن المصدرية المدغمة في لا ينسبك منهما مصدر في محل نصب على الأظهر، وقيل في محل جر وفي إعرابه أوجه.

الأول: أنه منصوب على أنه مفعول من أجله: أي وزين لهم الشيطان أعمالهم، من أجل ألا يسجدوا لله: أي من أجل عدم سجودهم لله، أو فصدهم عن السبيل، لأجل ألا يسجدوا لله، وبالأول قال الأخفش، وبالثاني قال الكسائي، وقال اليزيدي وغيره: هو منصوب على أنه بدل من أعمالهم: أي وزين لهم الشيطان أعمالهم، ألا يسجدوا أي عدم سجودهم، وعلى هذا فأعمالهم هي عدم سجودهم لله، وهذا الإعراب يدل على أن الترك عمل كما أوضحناه في سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى:وَقَالَ ٱلرَّسُولُ يٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِي ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ مَهْجُوراً } [الفرقان: 30] وقال بعضهم: إن المصدر المذكور في محل خفض على أنه بدل من السبيل. أو على أن العامل فيه فهم لا يهتدون، وعلى هذين الوجهين فلفظة لا صلة، فعلى الأول منهما. فالمعنى: فصدهم عن السبيل سجودهم لله، وعلى هذا فسبيل الحق الذي صدوا عنه، هو السجود لله، ولا زائدة للتوكيد، وعلى الثاني فالمعنى: فهم لا يهتدون لأن يسجدوا لله أي للسجود له، ولا زائدة أيضاً للتوكيد، ومعلوم في علم العربية أن المصدر المنسبك من فعل، وموصول حرفي إن كان الفعل منفياً ذكرت لفظة عدم قبل المصدر، ليؤدي بها معنى النفي الداخل على الفعل، فقولك مثلاً: عجبت من أن لا تقوم.

السابقالتالي
2 3 4 5