الرئيسية - التفاسير


* تفسير أضواء البيان في تفسير القرآن/ الشنقيطي (ت 1393 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }

قد قدمنا الآيات الموضحة له في أول سورة الكهف في الكلام على قوله تعالى:وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً } [الكهف: 2] الآية. مع شواهده العربية.

وقوله تعالى: { وَذَكَرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً }.

أثنى الله تعالى في هذه الآية الكريمة على الذين آمنوا وعملوا الصالحات، بذكرهم الله كثيراً، وهذا الذي أثنى عليهم به هنا من كثرة ذكر الله، أمر به في آيات أخر وبين جزاءه قال تعالى:وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [الجمعة: 10]، وقال تعالى:يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } [الأحزاب: 41ـ42] وقال تعالى:إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ } [آل عمران: 190ـ191] الآية. وقال تعالى:وَٱلذَّاكِـرِينَ ٱللَّهَ كَثِيراً وَٱلذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } [الأحزاب: 35].

قوله تعالى: { وَٱنتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ }.

قد قدمنا الآيات الموضحة له كقوله تعالى:وَلَمَنِ ٱنتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِّن سَبِيلٍ إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ } [الشورى: 41ـ42] وفي آخر سورة النحل على قوله تعالى:وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } [النحل: 126].

قوله تعالى: { وَسَيَعْلَمْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ }.

المنقلب هنا المرجع والمصير. والأظهر أنه هنا مصدر ميمي، وقد تقرر في فن الصرف أن الفعل إذا زاد على ثلاثة أحرف كان كل من مصدره الميمي، واسم مكانه واسم زمانه على صيغة اسم المفعول.

والمعنى: وسيعلم الذين ظلموا أي مرجع يرجعون. وأي مصير يصيرون، وما دلت عليه هذه الآية الكريمة، من أن الظالمين سيعلمون يوم القيامة المرجع الذي يرجعون: أي يعلمون العاقبة السيئة التي هي مآلهم، ومصيرهم ومرجعهم، جاء في آيات كثيرة كقوله تعالى:كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } [التكاثر: 3ـ7]، وقوله تعالى:وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } [الفرقان: 42]، وقوله تعالى:وَسَيَعْلَمُ ٱلْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى ٱلدَّارِ } [الرعد: 42] والآيات بمثل ذلك كثيرة جداً، وقوله: { أَيَّ مُنقَلَبٍ } ما ناب عن المطلق من قوله: { يَنقَلِبُونَ } وليس مفعولاً به لقوله: { وَسَيَعْلَمْ } ، قال القرطبي رحمه الله: وأي منصوب بينقلبون، وهو بمعنى المصدر، ولا يجوز أن يكون منصوباً بسيعلم لأن أيا أسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها فيما ذكره النحويون، قال النحاس: وحقيقة القول في ذلك أن الاستفهام معنى وما قبله معنى آخر فلو عمل فيه ما قبله، لدخل بعض المعاني في بعض: انتهى منه. والعلم عند الله تعالى.